رياض الزهراء العدد 156 منكم وإليكم
وَانشَقّ القَمَر
أتى شهر رمضان... وفُتِّحَت أبواب الرحمن.... الكلّ يتسابق لطلب المغفرة والرضوان.... افترشتُ مصلّاي وجلستُ أقرأ القرآن، فتحته وإذا بآية: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)/(القمر، الآية: 36) قلتُ: يا تُرى ماذا سيحُلّ؟! وإذا بصوتٍ يقول: إنَّها ليلة التاسع عشر، قلت: نعم هذه الليلة عليّ سيطبر رأسه..... خرجتْ روحي كحمامة تجرُّ بأذيالها، حاملةً جرحاً فوقه عباءة أحزان إلى دار عليّ(عليه السلام) حيث ذاك الزمان. حانَ موعد الإفطار واُفتُرشت موائد الرحمن، ببسم الله يبدأ عليّ إفطاره بشيءٍ يسير، إلّا أنّه في نفسه الكثير، جلستُ أطالعه بصمت وحذر، ماءٌ وبلح، كيف يتقوّى بها جسد البشر؟! نظر إليّ، وابتسم، فطأطأتُ رأسي خجِلاً، وقلتُ: يا سيّدي ألتمسكَ العذر... حمد الله وشكره، نهض ونفض ثوبه وأخذ يتمتم بكلمات لا أكاد أسمعها، سار وسرتُ خلفه، دخل محراب بيته، ما أعظم هيبته وهو يقف بين يديّ الرحمن ويناجي ربّ الأكوان بدموع لو نزلت منها قطرة لفُنِي الوجود بأكمله، أتمَّ عبادته وخرج إلى عقر داره، رفع رأسه إلى السماء وأخذ يطالعها وأنا أنظر إلى وجهه بإمعان، اختلَّ النظام، ليت السماء طُويت والنجوم اندثرت كي لا ترى عليّاً يقلّب وجهه ويقول: هي الليلة التي وعدني بها رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم)... وعدٌ وميعاد، الوقت يمضي والفجيعة تقترب ما أعظمها من لحظات، مرَّت الساعات الأخيرة ودنا وقت المصيبة.... آن الأوان وكبَّر الأذان "الله أكبر... الله أكبر" عليّ(عليه السلام) يفتح باب منزله، وكلّ شيء يتمسّك بأذياله حتى تلك الإوز لا تُطيق فراقه... سرى وكلّ شيء سرى خلفه، عليّ يؤدّي فرضه، إنَّه "فرض الشهادة"، ما بين سيف الشقاء وعبادة الأتقياء إلّا لحظة، وإذا بصوت عليّ يصكّ مسامع مَن في الأرض والسماء "فزتُ وربّ الكعبة"... وصدح جبرائيل بالنداء "تهدّمت والله أركان الهدى"، واهتزَّ العرش لما جرى، ها هو سيف المصطفى مطبور على يد أشقى الأشقياء... حلَّ المصاب، وطُبِرَ الكتاب، وضجَّت الكوفة بالنحيب والبكاء، الكلّ في حيرة من أمره، ها هم أهل بيت النبوة يستقبلون أباهم بدموع واكفة، وقلوب صابرة، راضية بقضاء الله وقدره، لكن كيف بقلوب الأيتام؟! جلسوا على أعتاب داره، كأنَّهم حمائم كُسرت أجنحتها، لا تمتلك سوى دمعة تستعين بها على جروحها، ينادون بصوتٍ خفيّ: أبه مَن لنا بعدك، أتتركنا لطوارق الزمان؟! قُمْ واحمل على ظهرك الطعام، واطرق أبوابنا يا باب الرحمن.... يومان كأنّهما دهران، دنتْ المنيّة واقتربت المصيبة، عليّ يستعدّ للقاء العليّ، بين الدمعة والرزيّة رحل إلى الجنَّة الهنيّة، وداعاً يا عليّ(عليه السلام)وداعاً، سيبقى جرحكَ على مرِّ الزمان، وتبقى مرارة فقدكَ سيفاً يحزّ في قلوب محبّيك، يا شمعة الإسلام وأبا الأيتام سلامٌ على جرحك، وحزن لفراقك، فصبرٌ جميلٌ والله المستعان.