إنّها لَيْلَةُ القَدْر

نرجس مرتضى الموسوي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 188

لو أنّ أحدهم كانت عنده مكتبة، وكانت كتبها مبعثرة بشكل فوضوي وعددها كثير، وقال لك: سأعطيك مائة ألف دينار لترتيب المكتبة بشرط أن تعمل ليلاً و نهاراً؛ فإنّه من البديهي أنّك ستعمل بكلّ جد. مثال نسوقه لِمَا نريد عرضه، فالأمثال تُضرب ولا تُقاس. إنّ ليلة القدر تختلف عن جميع ليالي السنة، والسؤال: لماذا سُمّيت هذه الليلة بليلة القدر؟ يبدو أنّ أهمّ ما في هذه الليلة المباركة هو تقدير شؤون الخلائق، وقد استُنبط اللفظ منه؛ فهي ليلة الأقدار المقدّرة، مثلما قال تعالى في وصفها: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)/(الدخان، الآية: 36). وقال بعضهم: بل لأنّها ليلة جليلة، فقد أنزل الله فيها كتاباً عظيماً هو القرآن الكريم، والذي يُحييها يكون عند الله ذا قدرٍ عظيمٍ، قال الله في كتابه الكريم: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)/(القدر، الآية: 3). كذلك نزل القرآن كلّه على قلب الرسول(صل الله عليه وآله وسلم) في تلك الليلة المباركة، ثمّ نزل بصورة تدريجيّة على مدى ثلاثة وعشرين عاماً؛ ليأخذ موقعه من النفوس؛ وليكون كتاب تغيير، يبني (صل الله عليه وآله وسلم) به أمّة وحضارة، ومستقبلاً مشرقاً للإنسانية جمعاء على مرّ العصور والدهور. نعم؛ إنّها ليلة واحدة تنقلك من سجلّ الأشقياء إلى سجلّ السعداء، وقد تهدم فيها جبل الذنوب التي تراكمت عليك طوال عام؛ فلا تضيّعها في طلب الدنيا؛ فإنّه: "محروم مَن حُرِمَ خيرها"(1)؛ مثلما ورد في الحديث. لقد أمست ليلة القدر خيراً من ألف شهر؛ لأنّها ملتقى أهل السماء بأهل الأرض بدليل قوله تعالى: (تَنَزَّلُ) - وأصلها: (تتنـزّلُ)، وصيغتها فعل مضارع – يدلّ على الاستمرار؛ فنستوحي منها أنّ ليلة القدر لم تكن ليلة واحدة في الدهـر، وإنّما تعود في كلّ عـام مرة؛ فاغتنمها، ولا تضيّعها؛ فالفرص كطائر النورس، ما إن يحطّ حتى يطير. نعم ؛ إنّها ليلة القدر. ...................... (1) مستدرك سفينة البحار: ج7، ص353.