رياض الزهراء العدد 156 منكم وإليكم
شُهْرُ رَمَضَانَ وَتَصْفِيدُ الشَّيَاطِينِ
إنّ الشياطين مخلوقات غير مرئية تتحلّى بالإدراك والمعرفة، ولها حريّة الاختيار، لكنّها تُسيء استخدام حرّيتها في إغواء الإنسان عن طريق تضليله عن الطريق القويم وإثارة نوازعه غير المشروعة، أمّا الحكمة من وراء ذلك الإغواء لبني آدم، فتكمن في مواهبه الكامنة وإعداده في ظلّ المقاومة التي يبديها إزاء تلك المزالق والإغراءات.. وهي لا تتعدى تأثيرها في الإغواء وإثارة الوسوسة وتزيين القبائح، ولكنها لا تجبره على ذلك.. فلو تساءلنا لماذا في شهر الله يكون هذا التصفيد؟ ولا يكون في غيره من الشهور الباقية؟! تكون الإجابة: إنّ الصوم يزيل الأرضية التي يتحرّك عليها الشيطان لإغواء الإنسان، فعن النبيّ(صل الله عليه وآله وسلم): "أنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيّقوا مجاريه بالجوع"(1)؛ فالسلسلة التي تصفّد الشياطين قوامها شهر رمضان نفسه وليس شيئاً آخر، وكلّما اتّسم الصوم بالإتقان والتكامل زاد ذلك في إحكام السلسلة التي تقيّد الشيطان وتردع النفس الأمّارة، فهذا لطف إلهي خاصّ يشمله به الله(عزوجل) في شهره الكريم، بحيث تتحوّل هذه الممارسة العباديّة محطاً لانهمار ألطافه(عزوجل) على الصائمين وشمولهم بها، وهذا اللطف الإلهي ليس جزافًا حتى يصحّ السؤال: لماذا لم يمنع (سبحانه وتعالى) سلطة الشياطين ويحول بينها وبين الإنسان في بقية الشهور؟ فيكون الجواب: كلا، إنّما ينشأ مبدأ التوفيق الربّاني واللطف الإلهي من واقع اختيار الإنسان نفسه، ودخوله في رحاب الضيافة الرمضانية. ولو تساءلنا لماذا نرى بعض الذنوب في الشهر الكريم على الرغم من تصفيد الشياطين؟! فتكون الإجابة من أهل العلم: إنّ الشيطان ليس السبب الوحيد للذنوب، ولا تنشأ عن إغوائه وحسب، فهناك منشآن آخران هما النفس الأمّارة، والرَيْن المتراكم من تبعات الذنوب السابقة التي بدورها تلوّث القلب وتجعل فيه نكات سوداء، ومن هنا نفهم أنّ اللطف الإلهي الذي يكتنف الإنسان في شهر رمضان يُلغي تأثير الشيطان في محاولة إغوائه، في حين يبقى العاملان الآخران يمارسان دورهما، وهما سببان كافيان لتهيئة الأرضيّة لانحراف الإنسان وبقائه على الغفلة، قال أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام): "...شهر رمضان شهر البركة، وشهر الرحمة، وشهر المغفرة، وشهر التوبة وشهر الإنابة، مَن لم يُغفرْ له في شهر رمضان ففي أيّ شهر يُغفر له؟ فسلوا الله أن يتقبّل منكم فيه الصيام، ولا يجعله آخر العهد منكم، وأن يوفّقكم فيه لطاعته ويعصمكم من معصيته، إنّه خير مسؤول"(2). ................................. (1) تفسير الميزان، ج8: ص:33. (2) بحار الأنوار، ج93: ص341.