زَهْرَةُ النَّرْسِيسِ

حوراء رياض العُبيديّ/ جامعة العميد
عدد المشاهدات : 334

بين صَخب بُستان الحياةِ، وتَلاطُمِ أشجارهِ بِفعلِ رياحِ الأقدارِ العاتيةِ، وشخوصُ عَينيّ نحو لفائف قلبها الأخضر الغامق المُظلم مِنْ بعيدِ.. كان لِتعثّرِ قدميّ بذلك الغصنِ الرفيع حِكمة عَميقة بِبساطتِها، حيث تَقْبعُ بِمقدّمتِه زهرةٌ عَرضتْ على أفكاري الطريقَ لِتضعَ رائحتُها بين أهدابي لأرى تلك الكلمات على وريقاتِ تويجاتها البيضاء، فتروي قطرات نداها لي قصّة مِنْ قصص الأطفال التي تحملُ بساطة الفكرة ومفاتيح الحكمة، قد اعشوشبتْ الخواطر بداخلي وضجّت الأحاسيس التي نحرَها سيفُ الحزن من زمنٍ بعيد. ها هي تحيا مِنْ جديدٍ، بسبب عَبق تلك الرائحة التي اخترقتني حال تعثُري.. كُنتُ أرفض وجودها في بُستاني بِشدّة، لكنّها كانت تبتسمُ وتتسلّق على جُلِّ أشجاري المُعمّرة.. بياضها أشبه بنقاوة غذاء الرضيع، بل كانت أشدّ بياضاً ونقاوة.. كنت أتّجهُ إلى مكانٍ غريب جداً، رغم أنّه شدّ انتباهي نحوه بعامل روحانيّ إلّا أنّني أحمل له كمّاً من الخوف المُريع الذي تجاهلتُه بين أهلي في مثل هذه الليلة بسهرة رائعة وقهقهاتِ أنسب إليها دموع كحيلتيّ وتلألؤهما.. مكان غربة اخترته من أجل أن أتسلّق به لِقمّةِ الحُلْم والطموح ولكن أعلم أنّي لن أجد مَنْ يفهمني بهِ.. ولا عدم اكتراثي للأمور...مكان ستلازمني به لعنة الألقاب التي به لعنة لقب البائسة أم المغرورة، أم المتكبرة فقط لأنني أجيد الصمت وعدم الاختلاط.. فرغم أنّني أمتلك شجاعة التحاور مع المجتمع، ومساحة واسعة في العقل أُدرك بها ما هي خريطة العمل.. إلّا أنّني كنت أعيش الخوف.. الخوف الذي تبخّرَ مثلما يتبخّر الندى مِنْ وُريقاتِ الأزهار.. كانت هذه زهرة ليس كَكُلِّ الزهراتِ، لا تأخذ مكانًا على أرض الواقع سوى بين الأصابع، ولكنّها تحتلّ كُلّ خبايا الروح الجوهريّة.. زهرة،!على الرغمِ من صعوبة إيقاف الرياح التي تعصفُ بي إلّا أنّها أخفَضتْ مِنْ صخبِها الجارف وجعلتْ تلك السعفات تتغنّى كريشة على وتر يُردّد بأنّ العلاقات الاجتماعية هي المُغامرة التي يجب أن نخوضها مع كُلّ أصناف البشر وإن كانت نهايتها الفشل.. فعلى الرغم من أنّني ما زلتُ أعاني مِنْ (فوبيا الزِحام) إلّا أنّني ما زلتُ أشعر بأنّ خلاصي مِنْ هذه المُتلازمة بين كأس هذه الزهرة وتويجها. انجلى كلّ شيء مُخيف بوجودها، ولم يتبقَ سوى ما هو أشدّ خوفًا، وهو أن يقوم شخص ما باقتطاف زهرتي النرسيس.. فيعود الصخب من جديد! ................................... * زهرة النرسيس: نرجس أو نركسوس في الميثولوجيا اليونانية.