رياض الزهراء العدد 156 أروقة جامعية
الحَلْقَةُ الرَابعَةُ والثَّلاثُون
مَا تُخَبِئُهُ لَنا الأروِقَةُ هُنَاكَ.. عن التفاصيل التي تصنع ذاكرة الحلم، بين سندانه.. والواقع.. نونُكِ.. جرّة قلم كنتُ واقفة عند لوحةِ الإعلانات في ممرّ الكلية الرئيسيّ، أنتظرُ أن تُعَلّق نتائج امتحان الطبّ الباطني الذي استنفد طاقتي بالكامل.. الزحامُ شديد جدًا، لا أدري كيف سـأتمكن من التقاط درجتي وأمامي تحتشد هذه الجموع؟ انتظارُ الأمور المفصلية صعب جدًا.. كلّ ذرةٍ فيك يسكنها كونٌ من قلق.. والدقيقة الواحدة تسكنها آلاف الدقائق وليس ستون ثانية! تمّ تعليق الورقة.. أنظر إلى الوجوه.. لا تبدو ثابتة الملامح.. بعضهم سعيد والبعض الآخر متجهّم.. متى يأتي دوري لأرى كَمْ أحرزتُ..؟ تعب قلبي من الخفقان بهذه السرعة... ممرات إنّني أقترب.. B...هذا هو الحرف الذي وقعتْ عيناي عليه..، أحقًا أحرزتُ هذه الدرجة.. الحمد لله..أكادُ لا أصدق!! هُرِعتُ إلى المصلّى.. ثمّ في سجدةٍ طويلة همستُ في أذن الأرض: ربّي.. مَن لي سواكَ؟ الطرُقُ مفترقة، المغيب يجيء بـالظلمة في "ساعتي" ويرمي بها إلى شيخوختها المبكرة رغم أنّها ما تزال في مهدها.. تلك الظلمة التي لا يكسِرُ حلكتها شيء، تتسرّبُ إليّ فكرة التعب، وفكرة التوقّف.. ثمّ يجرحها سؤال انتهى بالتوائةٍ استفهامية: كيف كنتُ وأنا في العدم؟ كيف كنتُ لاشيء؟ هل كنتُ أرجوكَ ملحّةً أن أخرج لـلوجود وأتخيّل كيف هو الوجود متلهّفة؟ لأيّ شيء أرجوكَ الآن؟ حتمًا لن أسألكَ أن تعيدني إلى العدم.. فالعدم مخيفٌ من بعد نعمة الوجود.. لكنّني سـأسألك اللطف في الأقدار، وسـأسألك أن تُبقي لي نافذة صغيرة تطلّ على الأمل إن غُلِّقت الأبواب، رغم أنّ أبوابك مفتوحةٌ دائمًا، سـأسألك أن تمنحني القوة لأكون إنسانةً مختلفةً في كلّ يوم، أن تمنحني شجاعة الاستيقاظ كلّ صباح وكـأنّني أخوض الحياة لأوّل مرّة، إذ لا طاقة لي على تلك القوالب الجاهزة الثابتة: أفكارٌ لا تتغيّر، أحلامٌ لا تكبر، أرواحٌ لا تصبح أكثر صفاءً، عقولٌ لا تتنامى، أشخاصٌ يعتقدون أنّ التغيّرَ خطيئة، ويؤمنون بـكامل قواهم العقليّة أنّ الذي يتغيّر يتنازل عن وجوده، في حين أنّ الإنسان في حالة تغيّر دائمة.. صعودٌ نحو الكمال، تسامٍ عن الأسفل في كلّ شيء.. مذكرات جامعية سـأرجوك لـتمنحني الوقت لأصيرَ كلّ ما تريد.. لأكون أملاً لـشخصٍ بِلا أدنى أمل، كلمة البداية في أول سطرٍ تخطّه إصبعٌ ما، نورًا لـشخصٍ يملك الكثير من النور لـيمنحه لـلغير.. شهابًا لا يراه طفلٌ أعمى فلا يتمنّى ولا يبتسم ولكنّ الشهابَ يتمنّى، فـيحقق الله أمنيته.. نجمًا يولد عند حافةِ الكون، لا يعلم بوجوده أحد.. لم يصل إلى نوره "تلسكوب" قطّ.. لا يراه إلاّ الله.. إلّا أنتَ.. ثمّ أنهضُ من ارتطام أفكاري بالانتظار، كـأنّني خرجتُ إلى رحب السماء.. إذ كـعادة غفلتي، يُمرضني الجحود حتى يفقرني ويعيدني صفرًا إلى "ساعة الرضا" خجِلة.. وفي كلّ مرةٍ يستقبلني بابكَ المفتوح.. دون عتاب! شكرًا لكَ يا الله.. هذا بكرمك لا بـجودي.. الآن يجب أن أستعدّ لدرس آخر أستمدّ به كرمكَ.. وجودكَ.. ويُتبع بـعمر...