الإمامُ الصَّادِقُ(عليه السلام) وَمُعَالجَةُ دَعوى الإِلْحَادِ

ولاء قاسم العبادي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 197

شهد عصر الإمام الصادق(عليه السلام) إعصاراً فكريّاً عنيفاً ــ لتضافر عوامل لا يسع المقام ذكرهاــ ضرب العديد من الأُسس العقدية والأخلاقية التي شيّدتها تضحيات الرسول(صل الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)، فما كان من الإمام الصادق(عليه السلام) إلّا أن بادر إلى تقويم تلك الانحرافات، جامعاً بين السلاسة في الأسلوب، والرفق في المحادثة من جهة، وبين المتانة العلمية، والبراهين القاطعة من جهة أخرى. ومن أخطر تلك الانحرافات دعوى الإلحاد. والإلحاد: ترك الاعتقاد بوجود إله لهذا الكون(1)؛ لأسبابٍ نفسيّة ــ تحرّراً من الأحكام الدينيةــ، أو بيئية ــ كالنشأة في بيئة مُلحدةــ، أو أخرى يُدّعى أنَّها علميّة أو عقليّة، وهي ليست منهما بشيء! وقد تصدّى الإمام(عليه السلام) للملحدين فدحض الشبهات التي دعتهم إلى الإلحاد، مثبتاً الوجود الإلهي عبر طريقين: *الإدراك الفطريّ: هو الشعور التوحيدي الراسخ في أعماق النفس البشرية، إلّا أنَّ الحُجب الظلمانية لدى البعض قد تطمر ذلك الشعور الفطريّ وتحول دون توقّد الشعلة الإيمانية، فإن أصيبوا بهزّة عنيفة استيقظ ذاك الشعور ممزقاً تلك الحجب وإيمانه بوجوده(سبحانه). وقد استعان الإمام الصادق(عليه السلام) بإثارة هذا الإدراك عندما سأله رجلٌ: يا بن رسول الله دُلّني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني، فقال له(عليه السلام) : «يا عبد الله هل ركبت سفينة قطّ؟ قال: نعم، قال: فهل كُسر بكَ حيث لا سفينة تنجيكَ، ولا سباحة تغنيكَ؟ قال: نعم، قال: فهل تعلّق قلبكَ هنالكَ أنَّ شيئاً من الأشياء قادرٌ على أنْ يخلّصكَ من ورطتكَ؟ قال: نعم، قال(عليه السلام) : فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث»(2). *الإدراك العقليّ: فقد أثبت (عليه السلام) وجوده سبحانه وتعالى بالبراهين العقليّة، كبرهان النظم والإمكان والحدوث، وهي براهينُ مهمّة في المقام؛ لكنّنا نقتصر على أولاها، رَوماً للإيجاز. *برهان النظم: يتلخّص في الاهتداء إلى الخالق سبحانه وتعالى عن طريق التأمّل في صفحات الكون، حيث هدفية كلّ خلقٍ عبر التوازن الدقيق بين الأجزاء، والترابط البديع بين الأشياء، كالتوازن بين حياة النبات والحيوان، وكالترابط بين أعضاء جسم الإنسان. وقد أشار إليه الإمام الصادق(عليه السلام) بقوله: «أوّل العِبَر والأدلّة على الباري (جلّ قدسه) تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه، فإنّك إذا تأمّلته بفكركَ وميّزته بعقلكَ وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسّماء مرفوعة كالسّقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم مضيئة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكلّ شيء فيه لشأنه معدّ، والإنسان كالمُملَّك ذلك البيت، والمُخَوَّل جميع ما فيه، وضروب النبات مهيّأة لمآربه...»(3). ....................................... (1) انظرالإلحاد: محمّد ناصر، ص27. (2)و(3) بحار الأنوار: ج3، ص41 وص62.