رياض الزهراء العدد 157 أنوار قرآنية
خَواتِمُ السُّوَرِ، أَقْفَالُهَا
خواتم السور هي ما تختتم به سُور القرآن الكريم، وهي آخر ما يقرع أسماع المتلقّي من آيات السورة. و(خواتم) جمع (خاتمة)، وكذلك خاتمات وخواتيم، (خاتمة السورة: آخرها، وخاتِم العمل وكلّ شيء: آخره)(١). ولأنّ: (الأعمال بالخواتيم)(٢) فينبغي أن يكون الختام مناسبًا لحسن الابتداء، وملخّصًا لما تمّ عرضه في الآيات ليكون ختامًا محكمًا قويًا. وهناك ترابط وثيق بين فواتح السور وخواتمها، فيمكن تشبيه الفواتح بالمفاتيح التي تفتح موضوعات السورة ومقاصدها، وتشبيه الخواتم بالأقفال التي تُحكم غلق تلك الموضوعات بشكل بليغ وحاسم لا يستدعي الكلام والسؤال بعده. و(الخواتم) أيضًا مثل الفواتح في الحسن؛ لأنّها آخر ما يقرع الأسماع، فلهذا جاءت متضمّنة للمعاني البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى لا يبقى معه للنفوس تشوّق إلى ما يذكر بعد؛ لأنّها بين أدعية ووصايا وفرائض وتحميد وتهليل ومواعظ ووعد ووعيد وإلى غير ذلك...)(٣) . وتعدّدت أنواع خواتم السور في القرآن الكريم بما يخدم موضوع كلّ سورة ويناسب افتتاحيتها، نذكر منها على نحو المثال لا الحصر ما يأتي: ١- تعظيم الله (سبحانه وتعالى): يكون في الخواتم على هيئة تسبيح، أو تهليل، أو بيان قدرته وعظمته وصفاته، مثلما جاء في سورة المائدة وسنذكرها لاحقاً، وقد يكون عن طريق خطابه لرسوله الكريم(صل الله عليه وآله وسلم) مثلما جاء في سورة الضحى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث)/(الضحى، الآية: 11). أو قد يكون بالتحميد مثلما جاء في خاتمة سورة النمل: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)/(النمل، الآية: 93)، أو بالتبريك (تَبَارَكَ) مثلما في خاتمة سورة الرحمن: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)/(الرحمن، الآية: 78). ٢- الوعد والوعيد: هنا يكون ختام السُوَر إمّا بالوعد بالجنّة ونعيمها، أو الوعيد بالنار وعذابها بما يناسب موضوعات السُورة، كالوعد بالمغفرة والأجر العظيم في ختام سورة الفتح: (...وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)/(الفتح، الآية: 29)، وكالوعيد بالنار مثلما جاء في سورة البلد: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ)/(البلد، الآية: 19-20). ٣- تسلية رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم): مثلما جاء في ختام سورة يونس(عليه السلام): (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)/(يونس، الآية: 109). ٤- مدح القرآن الكريم ووصفه: مثلما جاء في خاتمة سورة يوسف (عليه السلام)(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)/(يوسف، الآية: 111). ٥- الردّ على تكذيب الرسول(صل الله عليه وآله وسلم): مثلما جاء في خاتمة سورة الرعد: (ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)/(الرعد، الآية: 43). وتجدر الإشارة أيضًا إلى الرابطة الوثيقة بين خواتم السور وفواتح السور التي تليها وأنّها لَضرب من إعجاز القرآن الكريم، مثل: - مناسبة ختام سورة المائدة: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)/(المائدة، الآية: 120)، مع فاتحة سورة الأنعام: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)/(الأنعام، الآية: ١). - وكذلك ختام سورة يونس(عليه السلام): (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ)/(يونس، الآية: ١٠٩)، مع بداية سورة هود (عليه السلام):(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)/(سورة هود:آية١). وبلحاظ ما تقدّم تتبيّن عظمة القرآن الكريم، وسرّ من أسرار إعجازه في فواتح السُور وخواتمها والترابط الكبير بينهما في السورة الواحدة وفي السُورَ المتتالية. ............................................. (١) العين، الفراهيدي: ج١، ص٣١٧. (٢) ميزان الحكمة، الريشهري: ج٣، ص٣. (3) الإتقان في علوم القرآن السيوطي: ج١، ص٣٥٥.