رياض الزهراء العدد 157 شمس خلف السحاب
تَكَامُلِيَّةُ الدَّوْلَةِ المَوْعُودَةِ
قال الإمام الصادق(عليه السلام): «العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءتْ به الرُسل حرفان, فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين, فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثّها في الناس وضمّ إليها الحرفين حتى يبثّها سبعة وعشرين حرفاً»(1). عند إبحارنا في هذا القول الشريف نصل إلى حقائق قد تكون مغيّبة عن أغلبنا، تتمحور بشأن أبعاد الدولة الموعودة التي ستزدان بالخيرات والبركات وستحفّها الألطاف والنفحات الإلهيّة حالما تُشرق على أرض البسيطة بإذن الله تعالى: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)/( الزمر، الآية: 69). في ظلّ تلك الدولة سينعم أهل الأرض بأفيائها المنتظرة بعد سنين الجور والظلم والقحط، وممّا لا شكّ فيه أنّ الحالة التي يصفها الحديث الشريف تُظهر مدى العمران والتطوّر الذي سيشمل كلّ الصُّعُد والمستويات العلميّة والعقليّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. ولذا ورد عنهم (عليهم السلام): «مَن أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برأ ومن ذي ضعف قوي»(2). وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على المستوى العالي من العلميّة التي سينعم بها أهل تلك الحياة المبتغاة، والحالة الصحيّة الفذّة التي يبرأ بها كلّ ذي عاهة بمشيئة الله، حيث تكون لوسائل الطبّ آنذاك قدرة على تحقيق أعلى مستوى من الشفاء والوقاية التي تساعد الإنسان على بقاء صحته ودوامها. ويحقّ لنا أن نستشهد بقول الإمام الصادق(عليه السلام): «إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملتْ به أحلامهم»(3). فيا لتلك اليد المباركة التي ستحطّ على رؤوس العباد فتكتمل عقولهم وتتحقّق أمنياتهم! إنّها بلا شكّ كناية عن يد القدرة والقوة والنعمة التي أودعها الباري عزّ وجلّ في ذات مهديّ الأمة(عجل الله فرجه الشريف) كرامة له وعلو شأن، وفي هذا دلالة واضحة على أنّ هذا التطوّر العقليّ سوف يشمل جميع النوع الإنسانيّ، فيكون المعنى أنّ الناس في ظلّ دولته المباركة تعيش حالة من الرخاء والصحّة الجسميّة والنفسيّة والعقليّة بحيث تكتمل العقول والأحلام. وأمّا التكامل على المستوى الاجتماعيّ فيتجلّى في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)/(الأنبياء، الآية: 105)، إنّ تأهيل المجتمع للصلاح هو السبيل المهمّ لتحقيق دولة العدل وتعجيلها، فالمجتمع المطلوب هو المجتمع الصالح المؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر, الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وهذه المواصفات كلّها تنطبق على مجتمع عصر الظهور المبارك، وإذا تحقّق هذا المطلب تحقّق حلم جميع الأنبياء والفلاسفة, بل هو حلم البشرية جمعاء، ولهذا فإنّ الدعوة قائمة على قدم وساق تدعو إلى تحصين النفوس وإصلاحها وصولاً إلى الحلم المنشود والعيش بنعيم الدولة المأمولة المشتهاة. ..................................... (1) بحار الأنوار، ج ٥٢ ، ص336. (2) بحار الأنوار، ج ٥٢ ، ص ٣٣٥ ح ٦٨. (3) الكافي الكليني: ج1، ص31.