حِكَايَةُ مِرْآةٍ...

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 200

عندما نقف أمام المرآة، فماذا نرى؟ الآن، نعم الآن، وعند التمعّن قليلاً في النظر إلى المرآة سنرى الماضي، ربّما خطوط السنوات بدأت تتشكّل على تقاسيم الوجه، أو أنّ تلك التقاسيم أخذت في التغيير، ولعلّ مسحة من التعب أو الحزن وتراكم الهموم والمشاكل تلوح في صفحات الوجه، أو الكثير ممّا يختلج في النفس من حبّ أو كره أو مراوغة في المشاعر هي كامنة في الداخل وتظهر للعلن، مثلما قال الإمام عليّ(عليه السلام): "ما أضمرَ أحد شيئاً إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه"(2). ومهما بذلنا من جهد لننسى أحداث الماضي وما جرى علينا فيه، إلّا أنّ كلّ محاولاتنا تبوء بالفشل، وسنجد أنفسنا نتناسى ما كان، وما إن يطرق أسماعنا صوت ما، أو ما إن نشمّ عطراً له علاقة بالماضي سنجد سلسلة من المواقف تحملها سجّادة الذكريات السحرية، لتُلقي أمام أعيننا بكلّ ما فيها من أحداث بحلوّها أو مرّها، ولن يقتصر الأمر على الصور فقط؛ بل إنّ كلّ المشاعر المرافقة للحدث ستصل إلينا أيضاً فترسم الابتسامة على شفاهنا تارة وتعلو تعابير الحزن على محيانا تارة أخرى وبلحظة لا إرادية نذرف الدموع فيعرف مَن حولنا ما يجول في خاطرنا. نسأل أنفسنا الآن... ماذا نريد من هذه المرآة ؟؟ وهل هي نعمة أم نقمة ؟ يلوح في الأفق أمامنا خياران.. وبأيدينا الانتقاء ثُمّ العمل وفقاً لما أخترناه. إمّا أن يكون الماضي وحشاً كاسراً يغرس مخالبه في أنحاء الجسد، ويقيّد العقل عن التفكير بالمستقبل الجديد، ويكبّل الأفكار فيجعل الإنسان أسيراً ذليلاً أمامه، تحت ظلال اليأس والشعور بالعجز، أو أن يكون الماضي محفّزاً لنا بدفء واطمئنان، وحُسن الظنّ بالله وهو مفتاح لكلّ خير لكِ ولِمَن حولكِ؛ لتقتنصي ومضات النور من بين ظلام الأحزان وتوقدي الحيوية وحبّ الخير أمامه في طريق الحياة، كلّ هذا يحدث عن طريق إحدى النِعم العظيمة التي أنعم الله بها علينا، ألا وهي نعمة العقل والتفكير، فكلّ ما يدور من أفكار في أذهاننا ستترجم عاجلاً أم آجلاً على صورة أفعال إمّا إيجابية نافعة أو سلبية محطّمة. ازرعي أفكاراً إيجابية لتحصدي ابتسامة متجلّية على محيّاكِ، ونشاطاً يدبّ في أرجاء جسمكِ لتنطلقي إلى بناء مجتمع خلّاق يسعى إلى التجديد وتحدّي الصعاب. فكلّ ما يدور حولنا يبدأ من الداخل.. منكِ أنتِ. مثلما نُسِب إلى الإمام عليّ(عليه السلام): "أتحسبُ أنّكَ جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر"(2). ..................................... (1) ميزان الحكمة: ج4، ص14. (2)موسوعة الإمام عليّ(عليه السلام): ج15، ص 56.