رياض الزهراء العدد 157 لحياة أفضل
المُحتَوى غَيرُ مُتَوافرٍ الآن..
اعتدلتُ في جلستي، وتنحنحتُ كمَن اعتلى منصة في مهرجان ما، وبيده مكبّر الصوت: (ماذا لو وفّروا لنا اختراعاً يجعل هواتفنا أمام أعيننا دائماً من دون اللجوء إلى حملها أينما اتّجهنا؟! حقاً أستحق براءة اختراع على هذه الفكرة!). أنهيتُ تمتماتي العظيمة تلك مع نفسي، وعلى عجالة كمَن يراقبه ضابط الجيش في ساحة الاستعراض العسكريّ وهو يهرول أمامه في السادسة صباحاً، كانت خطواتي تتسابق لإنجاز مهامي المنزلية قبل أن أسمع منبّه السيّارة وهو يُنذر بقدوم زوجي من العمل، ومن ثمّ مداهمته لوكر الطعام البارد الذي يسمّى بـ(الثلاجة) فيتحسّس أبرد قدح ماء موجود فيه ويحيله خالياً في ثوانٍ، ردّدتُ أذكاراً حفظتها من والدتي، حتى لا أسمع كلماته المعترضة على طبخة اليوم المحروقة التي لم تتميّز عن قريناتها السابقات، لم تكن سرعته في التهام طبقهِ جديدةً، فهو أيضاً ككلّ طاقم منزله بانتظار صفّارة الختام التي تُطلقها المعدة في إشارة منها إلى اكتفائها، ليترك المائدة ويهمّ ليحمل لعبته المدلّلة بين يديه، وفي عينيه لهفة لا محدودة في أن يراها بكامل شحنها؛ كي لا يضطرّ إلى الصراخ: (مَن الذي أخذ شاحن هاتفي؟) عفواً، إنّه ليس صراخاً، بل إنّها موسيقى يومية أعتدنا إسماعها بعضنا بعضاً حين نرى رقم شحن هواتفنا لا يروق لنا، فيقطع علينا خلوتنا مع تلك الأجهزة الذكية كأنّه ضيف ثقيل غير مرحّب به! لم يكن حال أبنائنا أفضل منّا، سباق يسوقه الفضول وحبّ الاستطلاع ومتابعة كلّ ما هو جديد على المواقع، ولكن هل من فائدة؟ والأدهى والأمرّ أنّ مَن نتابعهم عبر هذه المواقع قشور أشخاص وليسوا أشخاصاً، نعم، نرى لحوماً ودماءً وأرواحاً تتحرّك في مقاطع الفيديو تحت مسمّيات عديدة: (البلوكر فلان الفلاني، اليوتيوبر الفلانيّ) بأعداد متابعين مهولة تخرق حجب المنطق! فماذا يطرح هؤلاء وماذا يريدون؟ وما هذا الغول المسيطر الذي يُدعى بالإدمان، وهو يزجّ بنا وبأجيالنا إلى اللامحتوى والفراغ؟ هل نكون أدوات بيد الأعداء لتحقيق مبتغاهم؟ أم نتناول أدوية اليقظة ضدّ هذا الإدمان؟ ونتلافى ما تسرّب من ينبوع أفكارنا، ونرقّع ثياب ضياعنا بخيوط من الصحوة!