تَأَمّلاتٌ في سُورَةِ المُطَفِّفِينَ

عبير عباس المنظور/ البصرة
عدد المشاهدات : 203

سورة صُبّتْ جميع مقاصدها في بيان عظمة دين الإسلام في الجانبين النظريّ والتطبيقيّ على حدّ سواء، إضافةً إلى ذكر عاقبة الفجّار والأبرار؛ لتسلية قلوب المسلمين ومراعاة مشاعرهم في ظلّ الظروف الصعبة. جاء في فضل سورة المطفّفين عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): "مَن قرأها سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة"(١). والمطفّفون هم الذين يُنقصون المكيال والميزان، "والطفيف النزر القليل، وهو مأخوذ من طفّ الشيء وهو جانبه، والتطفيف التنقيص على وجه الخيانة في الكيل أو الوزن.."(٢). تعرّضت السورة إلى أربعة مفاصل مهمّة: ١- ذِكر المطفّفين وأحوالهم: إنّ افتتاح السورة بتوعد المطفّفين بالويل يُوحي بأهميّة الموضوع من ناحية، ومن ناحية أخرى يوضّح الاختلاف على مكّية السورة ومدنيتها، فأسلوب السورة شبيه بالسور المكّية في تقرير أصول العقيدة التوحيديّة، والنبوّة، والوحي، والآخرة من حساب وجزاء مع التقويم الأخلاقيّ للمؤمنين وتسليتهم في تحمّل أذى المشركين خاصّة، إلّا أنّ ذكر المطفّفين يوحي بأسلوب السُور المدنية الذي ينظّم الحياة الاجتماعيّة في المجتمع الإسلاميّ الذي قام كدولة في المدينة؛ ممّا دفع بعض المفسّرين إلى القول بمدنيّتها، ودفع البعض الآخر إلى القول بأنّ أوائل السورة مدنيّة، وباقي السورة مكيّة، إلّا أنّ الرأي الغالب أنّها مكّية(3). ٢- ذِكْر الفجّار وصفاتهم ومصيرهم: الفجّار هم المتجاوزون للحدّ في الآثام والمعاصي، وإنّ كتابهم في سجّين، مثلما ذُكر المكذّبون بيوم الدين، ومصيرهم جهنّم بسبب الرين على قلوبهم. 3- ذِكْر الأبرار وصفاتهم ومصيرهم: وهو أسلوب القرآن الكريم في المقابلة، حيث ذكر الأبرار وكتابهم الذي هو في عليّين، مقابل الفجّار وكتابهم الذي هو في سجّين، ثمّ عرّجت الآيات على ذكر نعيم الأبرار في الجنّة. وذلك بشرى للمؤمنين، ولزيادة ارتباطهم بالآخرة، وحثّهم على تحمّل المصاعب والابتلاءات الدنيويّة، والتنافس في الخيرات لنيل ذلك النعيم. ٤- تسلية المسلمين في تثبيت مبدأ أنّ الجزاء في الآخرة من جنس العمل في الدنيا: فمثلما تعامل الكفّار مع المسلمين بالضحك والاستهزاء والغمز، ففي الآخرة المؤمنون من الكفّار يضحكون. (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ - عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ)/(المطففين، الآية: 34-35). ثمّ الخاتمة التعبيريّة الرائعة المبتدئة بالاستفهام: (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)/(المطففين، الآية: 3٦). إنّ ذكر لفظة (ثواب) للكفّار تحقير وإهانة لهم فلا ثواب للكفّار، وإنّما هو جزاء، ولكن ذُكِر الثواب؛ لأنّهم كانوا يعتقدون أنّهم على حقّ، وأنّهم مثابون على أفعالهم. وبلحاظ ما تقدّم فإنّ المتأمل في سورة المطفّفين يستنتج مجموعة دلالات وفوائد، منها: ١- إنّ التطفيف أي بخس الحقوق والغشّ في الميزان قد ينطبق على مفاهيم معنويّة أوسع كالموظّف الذي ينقص من ساعات دوامه، أو مَن يغشّ الناس وينقص من حقوقهم. ٢- الحرب الأزليّة بين الفجّار والأبرار مستمرّة على مرّ العصور، ولكن بمصاديق محدّدة تتلاءم مع متطلّبات كلّ عصر. ٣- على المؤمنين أن يتحلّوا بالصبر، ويجدّوا في مقاومة الفجّار مهما كثر عددهم، وعدّتهم وسلطانهم، وتحكّمهم في العالم – كالماسونية –؛ لأنّ سنن الله(سبحانه وتعالى) الكونيّة تقتضي هذا الصراع بين الحقّ والباطل وفي النهاية فإنّ العاقبة للمتّقين الأبرار في نعيم الجنّة الذي فصّلته السورة، وإنّه لغاية عظمى يتنافس فيها المتنافسون. ..................................... (1) مجمع البيان: ج١٠، ص٢٦٠. (٢) التبيان في تفسير القرآن: ج١٠، ص ٢٨٥. (3) تفسير الأمثل: ج3، ص11.