رياض الزهراء العدد 161 شمس خلف السحاب
أَقلامٌ مَهدَوِيَّةٌ
على مدى أعوام انصرمت وأنا أكتب في الباب نفسه، تلّفني الرغبة في كتابة الجديد والمزيد، والحثّ على استنهاض الهِمم وتوجيه الأنظار والدعوة المخلصة من أجل تعجيل الفرج الميمون عبر المشاركة الوجدانيّة والفعليّة في إحياء موارد المنظومة المهدويّة. وعلى مدى تلك السنين أبحرتُ في معالم الدولة الموعودة، وطالعتُ العديد من البحوث والطروحات، والكتب المميّزة، وازددتُ فهماً وعلماً ويقيناً، لكنّ هواجسي المريرة طالما حاكت مخاوفي ونبّأتني باحتمال انقضاء أجلي من دون نيل شرف الالتحاق بركب الدولة السماويّة الموعودة. ومضى قلمي مبحراً في تلك الحياض العذبة التي تروي عطش المحتاجين، وتيمّم حاجات الطالبين، وتبصم مواثيق المشتاقين، حتى انتهى بي المطاف لأقوم بجمع كلّ كتاباتي ومقالاتي المهدويّة التي نشرتها على صفحات هذه المجلّة الغرّاء وإدراجها في كتاب جديد يحمل اسم هذا الباب نفسه "شمس خلف السحاب". الكتاب بين يديّ أقلّب صفحاته، أستشعر أنين الأحرف بفعل لظى الاشتياق، وأحسّ بتلوّع السطور جرّاء طول الانتظار، وأقرأ رسائل العشق من وحي المشاعر الفيّاضة، ولا يسكن الأنين ولا يقف الحنين ولا يُروى الظمأ إلّا بظهور الطلعة البهيّة التي تشفي الصدور وتُثلج القلوب المنتظرة. وهكذا... ارتمت الكلمات بعنف على سطح الورق الأبيض، علّها تفعل فعلتها في شدّ انتباه التائهين نحو المورد العذب، أو تأخذ بأيدي الضائعين لتنتشلهم من وحل اللهو واللعب، أو ترمّم أخطاء المبتعدين عن درب الحقّ والعدل. وظلّ قلمي مسافراً في تلك الأروقة الشريفة يلثم مواطئ الأقدام حيناً، ويقبّل جدران الإيمان حيناً آخر، ويستعبر الحسرات والزفرات تارة، ويصوّب الآمال نحو الأمل الموعود تارة أخرى. وعلى الرغم من أنّ ما أكتبه الآن هو المقال الأخير في سلسلة مقالات تشذّرت بحبّ الإمام الحجّة بن الحسن(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وقد وظّفت كلّ طاقاتي لذلك، إلّا أنّ الرغبة في فتح المجال للأقلام النابضة عبر الغوص في دُرَر صاحب الأمر والزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف) أولى بالعناية والاهتمام، وستظلّ الروح متشبّثة بسرّ سعادة العباد وبهجتهم، وأمل المستضعفين ونشوتهم، ومصدر ارتياح المنتظرين وخلاصهم. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "المهديّ من وُلدي، تكون له غيبة وحيرة وتضلّ فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء(عليهم السلام) فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً"(1). .............................. (1) كمال الدين : ص272، ب،25 ح5.