بَيتُ الأحزَانِ خَاطِرةٌ في ذُرى التّارِيخ

بشرى عبد الجبار
عدد المشاهدات : 338

بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) خلدت فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى البكاء ليلاً ونهاراً، فثقل على القوم بكاؤها، فشكوها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكلّمها، فأجابته، فكانت تخرج نهاراً خارج المدينة بصحبة ولديها الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام). وكانت هناك شجرة آراك تستظل تحتها وتبكي أباها وتبثّ شكواها حتى غروب الشمس. فعمد القوم إلى تلك الشجرة فقطعوها، وبقيت تبكي في حرّ الشمس. ولمّا رآها أمير المؤمنين وهي على تلك الحال قام ببناء بيت لها مكان تلك الشجرة التي بوركت بدموع ابنة النبي (صلى الله عليه وآله) وسُمّي (بيت الأحزان) بُني هذا البيت في بقيع الغرقد، وبعد وفاة الزهراء (عليها السلام) اهتم به المسلمون، وبنو عليه قبة سُميت بـ (قبة الحزن) واتخذوه مسجداً يستحب الصلاة فيه، وأصبح مزاراً يتبرك به المؤمنون ويطلبون حاجاتهم، وعُرف عند العامة بـ (مسجد فاطمة)، وقد ذكره الرحّالة (بروتون) الذي زار البقيع عام 1853م بقوله: يقع هذا المزار على الجهة الجنوبية لقبة العباس بن عبد المطلب (عليه السلام) على شكل مسجد صغير يُعرف بـ (بيت الأحزان) بجوار قبور الأئمة: (الحسن المجتبى, السجاد, الباقر, الصادق (عليهم السلام)) وهو حقيقة تاريخية ثابتة، إذ كان قائماً ليتبرك به المسلمون، وقد هدّم من قبل الوهابيين في حادثة تهديم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام). في لحظة قراءتي أحداث هذه القصة ارتحلت خواطري إلى ذلك الزمن القاسي، وحطت على أعتاب ذلك البيت الحزين الذي شهد وسمع آهات وأنّات السيدة الزهراء (عليها السلام)، وروت أحجاره مظلوميتها، وبدت عيوني تتفقد الذكريات لتفتشّ عن أثر لابنة أبيها، وبدت نفسي تستشعر وتقول: على هذا التراب حطّت خطواتها المباركة، وهنا لمست يداها الشريفتين تلك البقعة، وهنا وقعت دموعها. واستشعرت الروح أنفاسها وشمت ريحها العابق الذي ملأ المكان إذ تركت بصماتها الحزينة في ذلك البيت الذي استمد اسمه من حزنها (عليها السلام)، وتمثلت واقفة فيه تبكي أباها وتقول: "يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها، وكانت ببهجتك زاهرة، فقد اسوَدّ نهارها، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها، يا أبتاه لا زلت آسفة عليك إلى التلاقِ، يا أبتاه زال غمضي منذ حقّ الفراق، يا أبتاه من للأرامل والمساكين، ومن للأمة إلى يوم الدين" نطق بكلماتها الحجر وأسمع العالم صوت الصدى عبر القرون، وبقى هذا البيت يبكي فقده الزهراء (عليها السلام)، وبقيت تربته الزكية مدفناً لأولادها، وظل رمزاً لأساها مدى العصور، ونسب إلى الإمام القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف). أم تراني اتخذت لا وعلاها بعد بيت الأحزان بيت سرور ................................. بحار الأنوار: ج43، ص176.