تَوَقَّفْ... وَفَكِّرْ

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 194

هناك الكثير من الظواهر التي تنتشر في المجتمع وبسرعة فائقة كالنار في الهشيم، ربّما نراها بأعيننا في مكان ما، ونقوم بفرك أعيننا بكلتا اليدين علّنا نفتحها على واقع آخر، ومن الممكن أن نسمع بها عند تجاذب أطراف الحديث مع الآخرين فنرفع أحد الحاجبين تعجّباً كإشارة لصعوبة التصديق لما تمّ ذكره من انتشارٍ لطريقة غريبة في ارتداء الملابس غير اللائقة التي تصل إلى درجة كونها ممزّقة أو بقياسات أكبر بكثير من حجم الشخص بحيث تراها مترهّلة تتهاوى من فوق هذا الكتف أو ذاك، بل إنّ الأدهى والأمرّ من هذه المظاهر الخارجيّة هو عندما يتمّ تبنّي أفكار أو آراء بشكل كامل تصل إلى حدّ أن يدافع عنها الشخص بكلّ ما أوتي من قوّة، حتى وإن وصل إلى مرحلة الصراع من أجل تلك الفكرة، وما يصاحب هذا الأمر من الانجرار إلى خلافات مع المقرّبين وصولاً إلى أبعد نقطة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعيّ. في هذه المرحلة يدقّ ناقوس الخطر؛ ليُنذرنا بضرورة الانتباه إلى ما يحدث، وعندها يجب أن نقول لأنفسنا (توقّف.. وفكّر) ماذا يحدث؟ ما الذي جعلني انساق وراء الآخرين بهذا الشكل الذي يسحق شخصيّتي ويجعل أفكاري الخاصّة، قِيمي، مبادئي تتلاشى وتُصبح هباءً منثوراً؟ عندها يبدأ المسير الحقيقيّ لوضع حاجز بيننا وبين تلك المصيدة التي لا تُبقي ولا تذر . كلّ ما ذُكر سابقاً هو عبارة عن الانصياع للعقل الجمعيّ، الذي يكون فيه ذوبان العقل الفرديّ وسط الجماعة الغالبة، وتغييبه بين الأمواج المتلاطمة من الأفكار والممارسات الدخيلة على المجتمع، وحينها يتوقّف العقل مؤقّتاً عن التفكير في العواقب. ومن الجدير بالذكر أنّ هناك مرجعيّتين للتفكير إحداهما داخليّة والأخرى خارجيّة، فمَن يمتلك المرجعيّة الداخليّة يعتمد في أفكاره على التحليل لمجريات الأمور وما يراه مناسباً، ولا يعير اهتماماً لأحدث الصرعات العالميّة مثلاً إن كانت لا تتماشى مع أفكاره، أمّا صاحب المرجعيّة الخارجيّة فالمحرّك الرئيسيّ له هو رأي المحيط به، بحيث يكون المؤثّر المباشر في طريقته في ارتداء الملابس أو الحديث عن الأفكار، فهو سهل الانقياد من قِبل الآخرين، ومُدافع شرس عن الأفكار التي قام بتبنّيها . هنا يبرز لدينا الدور المهمّ للتوازن الذي عجّت به المقالات ودوّت به الأصوات، ليكون الوسيلة للحياة الهادئة التي يتحقّق فيها رضا الله سبحانه وتعالى، وبلوغ الأهداف الحياتيّة أيضاً، التي تصبّ في المسار نفسه حتماً، وتكون بمحاولة العمل بالمرجعيّتين بأعلى مستوى يستطيع الإنسان بلوغه، حيث الاهتمام بالأفكار الخاصّة والرؤى الشخصيّة، وبخطّ موازٍ لها عدم خدش ما هو متعارف عليه في الوسط الذي نعيش فيه، وبما يتناسب مع عقيدتنا الاسلاميّة السمحة التي تؤكّد على عدم إلحاق أيّ نوع من أنواع الضرر سواء الجسديّ أو النفسيّ بالآخرين، وبناء الشخصيّة الرساليّة ذات الأهداف الواضحة عن طريق التركيز على نقاط القوّة التي منحنا الله إيّاها، وعندها نقوم بوضع اليد على كلّ ما هو سلبيّ ونسعى إلى تغييره للأجمل؛ ليتمّ إشاعته في المجتمع. ومثلما قال رسولنا الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم): "يا أبا ذرّ إنّ الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صُوَركم، ولا إلى أموالكم وأقوالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"(1)، فما كان في الداخل سيُترجم إلى أهداف وأفعال يلمس آثارها الجميع، ويستثمرها لتفيض أفكارنا خيراً وسلاماً. ............................... (1) مكارم الأخلاق: ص469 مؤسّسة الأعلميّ ط6 بيروت.