رياض الزهراء العدد 161 لنرتقي سلم الكمال
"إنّي... وَلِيٌ لِمَنْ وَالاكُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُم"(1)
إنّ أعمق رابطة تربط أبناء البشريّة مع بعضهم هي الرابطة العقائديّة، حيث تُبنى عليها سائر العلاقات الأخرى. لذا لابدّ من الرجوع إلى المعيار الإيمانيّ في إقامة العلاقات وَفق منهج الإسلام، وجعل العلاقة مع الله والموقف من الله هو الحَكَم الفصل في طبيعة هذه العلاقة. رُوي عن الإمام الصادق(عليه السلام): "مِن أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في الله، وتُبغض في الله، وتُعطي في الله، وتمنع في الله"(2). الحبّ ليس بالعلاقة القلبيّة فحسب، بل يجب أن تظهر آثاره في عمل الإنسان، فإنّ مَن يدّعي حبّ الله فعليه أولاً اتّباع رسوله مثلما ورد في القرآن الكريم: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)/(آل عمران، الآية: ٣١- ٣٢)، فإطاعة الله وإطاعة رسوله لا تنفصلان عن بعضهما، والمؤمن يقدّم الولاء لله(سبحانه وتعالى) ولرسوله وأهل بيته(عليهم السلام)، ولمـَن تبعهم وسار على نهجهم، ويتبرّأ من عدوّهم لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ)/(الممتحنة، الآية:١). تبيّن الآية الكريمة أنّ أعداء الله يخالفونكم بالعقيدة، ويعدّون إيمانكم بالله الذي هو أكبر فخر لكم منتهى الجرم وأعظم الذنب؛ لذا فهم لن يتوانوا عن القيام بأيّ عمل ضدّكم. واليوم نجد في مجتمعنا الكثير ممّن يتحدّثون عن حبّهم لله ولرسوله وأهل بيته(عليهم السلام)، ويتنافسون في زيارة أئمة الهدى(عليهم السلام)، ويردّدون في زيارتهم "إنّي وَلِيُّ لِمَنْ وَالاكُمْ وَعَدُوٌ لِمَنْ عاداكُمْ"(3). ولكنّهم ويا للأسف يقلّدون ويقتفون آثار أعداء الله، قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)/(الكهف، الآية: ١٠٣- ١٠٤). وعلى سبيل المثال نرى على مواقع التواصل الاجتماعيّ منشورات أعدّها أعداء الله لتشويه صورة الإسلام كالاستهزاء بمعتقدات المسلمين وشعائرهم، أو تسقيط شخصيّات دينيّة بذلت نفسها في سبيل الحقّ، أو نشر أخبار كاذبة تسبّب الضرر والفرقة بين المسلمين، فنجد بعض من يُسهم في نشرها هم من المؤمنين من دون الالتفات إلى آثارها الخطيرة على المجتمع. والواجب أن يكون الموقف قبالها حاسماً، مثلما قال نبيّ الله إبراهيم(عليه السلام) والذين معه للكافرين والمنحرفين والظالمين: (إِنَّا بُرَاءؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا)/(الممتحنة، الآية: ٤). فكيف يمكن لإنسان يعشق الكمال المطلق أن يعصي أوامر الحبيب وتعاليمه؟ فإن عصى فهو دليل على أنّ حبّه غير حقيقيّ. ............................................. ١- مفاتيح الجنان: ص455. 2- الكافي: ج ٢، ص١٢٥. 3- مفاتيح الجنان: ص٤٥٥.