رياض الزهراء العدد 161 لحياة أفضل
سَلاماً.. يا مُعِزَّ المُؤمِنينَ
يا حروفي غوصي في أعماق البحر وانتقي الجواهر لتسطري حروفاً من نور لكريم الآل الذي لا تضاهيه مآثر، فهو شبيه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كنّاه بـ (أبي محمّد). أيّها الكوثر المهدور ظلموكَ، ورموكَ بسهام الحقد بشبهات أموية دوّنتها أقلام من أذناب الطواغيت والمتزلّفين، محاولين تشويه سيرتكَ العَطِرة المستمدّة من روح الهداية المحمّديّة والبسالة الحيدريّة ونفحات الأنوار الفاطميّة، فأطّروا بشبهاتهم وأحاديثهم الباطلة صُوَر القداسة الحسنيّة، وبالغوا بالزيف، لكن هيهات أن يطمسوا ذكر شمائل العلم والحلم والمعرفة والعبادة والفصاحة والجود والكرم والشجاعة، والإحسان حتى إلى مَن أساء إليه، فعندما سُقِي السمّ رفض أن يقتصّ من قاتله، وآثر أن يموت مظلوماً على أن يُعلن عنه منعاً للانتقام، كان(عليه السلام) أنموذجاً للعطاء والخير والكرم، كان (عليه السلام) يستبشر إذا سأله سائل، ويعدّه فضلاً في طلب المساعدة، ويطلب من الناس أن يكتبوا حوائجهم في ورقة خوفاً على ماء وجه السائل، فأيّ كرم هذا؟ فلو علمت مياه البحر لفاضت خَجِلة من فيض نواله. واصل مسيرة أبيه(عليه السلام)، ولاقى الكثير من المخاطر لأنّ الأمّة التي حوله لم تقدّر منزلته، متجاهلين عظمته فخضعت لحبّ الدنيا، والإمام أراد أن يسير بها إلى الآخرة، فهذه الأمّة التي خذلت إمامنا الحسن(عليه السلام) لم تكن على بصيرة، ولم يكن جيشه جيشاً متسلّحاً بالإيمان، بل كان بعض أفراده مهزوزاً يلهث وراء الدنيا وغرورها، صبر (عليه السلام) على اتهامات بعض من شيعته، فقد قال الإمام الصادق(عليه السلام): "إنّ الحسن بن علي(عليه السلام) لمّا طُعِن واختلف الناس عليه سلّم الأمر لمعاوية، فسلّمت عليه الشيعة: "عليكَ السلام يا مذلّ المؤمنين"، فقال(عليه السلام): ما أنا بمذلّ المؤمنين، ولكنّي معزّ المؤمنين، إنّي لمّا رأيتكم ليس بكم عليهم قوّة سلّمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم، كما عابَ العالم السفينة لتبقى لأصحابها، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم"(1)، فصبر على جهلهم، فهذا صبر لا يعيه إلّا مَن شرح الله صدره للإيمان، فحفظ بصلحه دماء المسلمين، وشرب السمّ دفاعاً عن دينه، ودين الناس ليبقى دين جدّه خالداً لا يزول مهما حاربته طواغيت العصور، وكأخيه الحسين(عليه السلام) حارب الظلم وقُتِل؛ لتبقى نهضته رائدة ويبقى الدين محفوظاً عن التحريف. وقبل استشهاده أوصى أن لا تُراق محجمة دم في جنازته وإن لم تتحقّق الوصيّة بأن يرقد بجوار جدّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجرته، كان ميزانه الحقّ في زمن قلّ طالبوه، ومنبع للحكمة في عصر قلّ باحثوها، وكان أصدق أهل الإيمان في وقت قلّ فيه الصادقون وكثر مناوئوه، كان تبليغه للرسالة مثل أبيه(عليه السلام)، وتحمّله للأذى مثل أمّه(عليها السلام)، فأدّى الرسالة مثلما أدّوها، وتحمّل الصعاب مثلما تحمّلوها، فالسلام عليه يوم وُلد، ويوم اُستشهد، ويوم يُبعث حياً. ....................................... 1- ميزان الحكمة: ج7، ص233.