رياض الزهراء العدد 161 لحياة أفضل
المَدْحُ الزَّائِفُ وَمَقْبَرَةُ الأَفكَارِ
عالم الشكل الموهوم والانجرار خلفه يوماً بعد يوم تسبّب في قتل الإبداع وصنع هالة لما هو تافه لا يستحق بأن يرى أيّ نور. المدح إحسان الثناء على المرء لِمَا يقدّمه أو يتّصف به، فهو أقرب إلى معادلة رياضيّة قائمة على إعطاء المدح في محلّه المناسب، وفي مقابل أن يفعل المرء شيئاً حسناً، أو يمتلك صفةً حسنةً، هذه المعادلة إن فُقدت أركانها أحيلتْ إلى أغراض ماديّة زائفة، وهذه الحالة تُعدّ المسؤول الأساسيّ عن شخصيّات تاريخيّة وصل إلينا عنها السمعة الطيّبة في حين أنّ الظلم ملأ أعمالهم. فاليوم ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعيّ أصبح الولوج في عالم المجاملات والمدح سلعة رخيصة يتمّ تداولها على اللاشيء، فنتج لنا عن ذلك كتّاب لا ينتمون إلى عالم الكتابة، وشعراء حطّموا معالم الشعر، ومثقّفون وإعلاميّون وغيرها من الأسماء التي تأخذ الآن حيّزاً في المحيط الاجتماعيّ وهي لا تعدو عن كونها وباءً على ثقافة المجتمع، ولم يكتفِ بذلك الجمهور، بل راح يمدح كلّ ما يصدر عنهم ليزيد من أمراض الفكر لدى المجتمع من جانب، ويعطّل آلة التفكير المنتج من قِبل أولئك الأشخاص أنفسهم من جانب آخر، ومن ثمّ يفقد البلد الأفكار المنتجة لشعبه، ولا يكون للمجتمع ما ينافس به على صعيد المجتمعات الأخرى، وفي مرحلة ما سيرى نفسه غارقاً في كتلة من الأفراد الضائعين الذين لا يمتلكون أدنى ثقافة فضلاً عن طاقات شبابيّة مكتومة أو مستهلكة في غير محلّها، نتيجتها ما يحصل من فساد أخلاقيّ وتفكّك مجتمعيّ وبطالة وغيرها. فما يصدر من مدح لأمر لا يجب أن يُمدح، بل أن يوضع له الحدّ لنستطيع أن نحدّ من مجموعة من المشاكل المتفاقمة، وهذا يساعد أيّ فرد على البحث عن أفكار حقيقيّة تستحقّ المدح، فيرفعه المجتمع ليمثّله في أماكن تليق بأصالته، ومن جانب آخر يُسهم ذلك في توجّه الدعم التوجيه الصحيح عندما يتوجّه المجتمع إلى ما هو فعّال ومنتج.