الطَّرِيقُ إِلى كَربلاءَ بَينَ جَنّتَينِ... جَنّةِ اللهِ وَجَنَّـةِ الحُسَينِ(عليه السلام)

زينب شاكر السمّاك/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 161

كنتُ صغيرةً جداً عندما خرجتُ مع أمّي وأبي للذهاب إلى زيارة سيّدي ومولاي الحسين(عليه السلام) سيراً على الأقدام؛ لإتمام زيارة الأربعين. كان حينها عمري لا يتجاوز ثماني سنوات. لغاية هذا اليوم أتذكّر كيف وقفت والدتي بكلّ وقار وهدوء، ووضعت يديها على كتفي وقالت: هل أنتِ على أتمّ الاستعداد للخروج معنا في هذه الرحلة المليئة روحانيةً وإيماناً؟ أجبتها: نعم يا أمّي، قالت: وما دافعكِ إلى الخروج؟ أجبتها: كدافعكم، حبّي للإمام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته الكرام. نظرت إليّ نظرة مليئة بحنية جميلة وقالت: حسناً جوابك يُؤهّلكِ للذهاب، ولكنّ هذه الرحلة تختلف عن كلّ الزيارات التي نذهب بها إلى كربلاء المقدّسة لزيارة سيّد شباب أهل الجنّة، قلتُ: أتقصدين التعب؟ فأنا على أتمّ الاستعداد، أجابت: لا، فعندما تخرجين من البيت لزيارة الأربعين مشياً على الأقدام لن تعودي مثل الآن، سيتغيّر الكثير فيكِ. تركتني وأنا أتأمّل كلامها، ماذا تقصد؟ ولكن كان الذهاب هو ما يشغلني وفرحة الالتحاق بأهلي للذهاب إلى زيارة الإمام(عليه السلام) كانت مسيطرة على تفكيري، نمتُ وأنا اتأمّل كلام والدتي. وبدأت رحلتنا عندما استيقظتُ صباحاً على صوت والدتي وهي تقول لي: استيقظي يا ابنتي من أجل الاستعداد لمراسيم الزيارة، قامت والدتي إلى الوضوء لصلاة الفجر وقالت لي: هيّا بنا لتتوضئي وتصلّي، قلتُ لها: لكنّي صغيرة ولكن قاطعتني قائلةً: إن كنتِ واثقة كلّ الثقة من قدومكِ معنا إلى هذه الزيارة فعليكِ يا صغيرتي بالالتزام بجميع تعاليمها، فنحن الآن في نية الذهاب إلى زيارة أبي عبد الله مشياً على الأقدام لمواساة سيّدة نساء العالمين وأهل البيت الكرام الميامين(عليهم السلام) باستشهاد سيّد شباب أهل الجنة. بعد إتمام صلاتنا بدأنا بالتهيّؤ حتى نبدأ رحلتنا مشياً على الأقدام إلى جنة الله في أرضه، جاءت والدتي تحمل لي الحجاب وألبسته لي، كان جميلاً جداً ويعطي هيبة ووقاراً، قلت لها: هذا لي يا أمي؟ قالت: نعم يا عزيزتي، أنا سبق وأن قلتُ لكِ هذه الرحلة مختلفة إن ذهبتِ بها لن تعودي كما كنتِ، سيّدتنا رقية(عليها السلام) كانت طفلة صغيرة عندما سُبِيت مع عمتها زينب(عليها السلام)، وكانت ترتدي حجاباً كاملاً وجميلاً ويجب أن تكون السيّدة رقية نبراسكِ يا عزيزة أمكِ. بعد أن قطعنا مسافة يوم كامل أخذ التعب يستولي على جميع أعضائي وبدأت خطواتي تثقل شيئاً فشيئاً، قالت لي والدتي: لا تتعبي يا عزيزتي إمامنا ينتظرنا (والأجر على قدر المشقة)، قلتُ لها ولما لا نصعد بسيارة أو حتى عربة، ما الهدف من هذا التعب؟ أجابتني: إنّ هذه الرحلة مثلما قلتُ لكِ رحلة إيمانية روحانية نتعلم منها الكثير من الأمور، وهذا التعب إحدى الأمور المهمّة التي يجب أن نتعلمها، فكلّما تحملتِ وأكملتِ طريقكِ كلّما كان الإيمان ينوّر دربكِ، حصّني قلبكِ بالصبر على المشاق، فالحياة متعبة ومغرياتها كثيرة. وفعلاً أكملتُ طريقي مشياً على الأقدام لأكتشف لذة الوصول إلى سيّد شباب أهل الجنّة، وكانت متعة لذة الوصول جميلة، أحسست وكأنّني تسلّمتُ وسام شرف. الخلاصة هو أن تكون زيارة الأربعين رسالة إلى طفلكِ وتهذيباً لنفسه، نغرس في نفسه عن طريقها تعاليم الدين وحبّ الإمام الحسين(عليه السلام)، ونعلّمه الغاية من الزيارة الأربعينية ونشرح له قيمة هذه الزيارة المعنوية والروحية، والغاية من الذهاب مشياً على الأقدام، حتى ترسخ عنده في الكبر، ويجعل من هذه الزيارة هيبة ووقاراً ونبراساً إلى طريقه الصحيح.