رياض الزهراء العدد 161 لحياة أفضل
خُطوَاتٌ نَحوَ الخُلُودِ
أراد الأب أن يعطي دروساً مفيدةً لابنه فقال: يا ولدي تهيّأ حتى نذهب إلى المدرسة، فأجاب الابن باستغراب: ولكن يا أبي نحن في عطلة؟!، قال الأب: نعم يا ولدي أعلم ذلك، ولكنّني سآخذكَ إلى مدرسة لا تعطيل فيها، وذات عطاء دائم لا ينفد. -: وأيّ مدرسة تقصد يا أبي؟ -: إنّها مدرسة الحسين(عليه السلام) الخالدة، فبعد أيام إن شاء الله ستصادف ذكرى زيارة الأربعين والكلّ يذهب مشياً على الأقدام إلى هذه الزيارة العظيمة، وفي الطريق سنأخذ دروساً عظيمةً ومفيدةً، فاستعد.... انطلق الأب مع ابنه، كلّ منهما يحمل راية بيده، وكانا يسيران بلهفة وشوق، والطريق تغصّ بالزائرين من كلّ حدب وصوب، وما إن وصلا إلى أول موكب حتى وجدا الخدّام يحيطون بهما من كلّ جانب، يتوسّلون إليهما ليحلّوا ضيوفاً عندهم ويقدّموا لهما ما لذّ وطاب من الطعام والشراب، والراحة والطبابة وكلّ ما يحتاج إليه الزائر، عندها قال الأب: انظر يا ولدي إلى هذا الحبّ والعطاء والإيثار والكرم والجود في سبيل حبّ الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)... ثمّ شاهدا رجلاً محدودب الظهر مرتسمة على وجهه تجاعيد الشيخوخة يحمل بيده راية وهو يسير بخطوات ملهوفة ومن دون توقّف ينادي: أنا قادم إليكَ يا حبيبي.. أنا قادم إليكَ يا طبيبي.. وامرأة ورجل مع أولادهما يمشون وينادون: لبيكَ يا حسين.. وعجوز طاعنة في السنّ تحمل في يدها كأساً من الماء وتقول: اشربوا في سبيل الحسين.. اشربوا وتذكّروا عطش الحسين...وبعد سويعات رُفِع صوت الأذان معلناً عن وقت الصلاة، فاجتمع الناس لأداء الصلاة، ثمّ ألقى إمام الجماعة محاضرةً فيها موعظةٌ للحاضرين. أكملا الطريق، والأب مستمرّ بإعطاء الدروس لابنه، والابن يُصغي بكلّ شوق ولهفة، حتى أنّه لم يشعر بأيّ تعب أو مشقّة. قال الأب: انظر يا ولدي هذا هو طريق الحسين(عليه السلام)، وهذه مدرسته الخالدة، ففي طريق الحسين(عليه السلام) ترى الحبّ والعطاء والكرم والايثار، وترى الصلاة في أوقاتها، وأصواتاً تلهج بذكر الله وبحبّ أهل البيت(عليهم السلام)، وترى قلوباً مشتاقةً ومتلهفةً للزيارة، والسير مشياً رغم طول الطريق والمشقّة، فترى الشيخ الكبير والمرأة والطفل لا همّ لهم سوى الوصول إلى قبلة العاشقين... وبينما الأب يتكلّم وإذا بالقباب الذهبيّة تلوح لهما.. أبي.. أبي.. لقد وصلنا، وبدأت الدموع تتلألأ في عيونهما ونبضات قلبيهما تزداد للهفة اللقاء والوصول إلى الغاية والمراد. قال الابن: أبي سأكتب كلّ ما رأيتُ وما تعلّمتُ من دروس في طريق أبي عبد الله(عليه السلام)، -: حسناً يا ولدي إذن لابدّ لكَ من عنوان لما ستكتبه، -: نعم يا أبي لقد اخترتُ العنوان... وهو (خطوات نحو الخلود).