جُندُ رَبِّكَ

سلوى أحمد السويدان/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 191

لله جنود، للأرض جنود، للموت أيضاً جنود، لا يمكن أن تميّز ذلك الجنديّ إلّا عن طريق بزة يرتديها، ربّما هي قبسه الذي يضيء له مفاهيم الانتماء، وقد تكون برهانه الذاتيّ لفهم الانخراط في فئة معينة. فانتقاء مفهوم القيم في زمن تعكّرت فيه التشعبات الإلزاميّة داخل مجتمع ما سيكون صعباً بعض الشيء، إلّا هم فقد رأيتهم جنوداً بكلّ ساح، وقد اختلفت سترتهم ما بين خضراء إلى ترابيّة إلى بيضاء، أبهرني ذلك الحماس المتأصّل في نفوسهم كأنّهم جدار يصدّ كلّ تيار جارف، ولم يتوقّف الأمر هنا فبعد أن فتك (كورونا) بالبشر وبات يرميهم جثثاً بالأرقام كانوا أيضاً جنود التصدّي لدفن تلك الجُثث، لبسوا العزم بكلّ ثقة ومدّوا يد العون حتى هنا، إنّهم أشدّاء في عقيدتهم، لا تهزّهم ريح، لقد أثّر بي جدًا أحدهم حين سأله أحد الصحفيين: ألا تخاف أن تُصاب بالعدوى وأنتَ تتولّى دفن هذه الجثث ونقلها؟ فأجاب بابتسامة صادقة: وهل يُترك جثمانٌ في بلد نشأ فيه الموت على يد الحياة، فإن كان نصيبي من هذا الدفن موتاً فأهلاً به، لكن أن أتقاعس عن واجبي، فهذا الذي لا يكون. لم أتعجّب من ردّة فعله، فأبطال في هذا الدرب ستكون نفوسهم بهذا العنفوان حتى ابتسامتهم تشعر أنّها رمز دفاع، رمز حماية، فأيّ سرّ يكمن في حُماة العقيدة لتكون أرواحهم كوردة على راحتيهم يضعونها حين يُنادي الملاك: حيّ على الفداء. ولم يعد مفهوم الفداء مقتصراً على أرض المعارك وفي جبهات القتال، إنّه في قاموسهم أعمق من ذلك، فهم يواجهون الفقر على أعتاب المنسيين في أكواخ بائسة، يصارعون المرض على أعتاب المستشفيات، ويقاومون أيّ عدوّ تسوّل له نفسه الاقتراب من صرح نُقش عليه حشدٌ مقدّس، هكذا قد تفهم أنّ معارك الحياة كثيرة، لكن أن يكون الجنود لكلّ المعارك فهذا ما لم نشاهده إلّا في تلك الثلّة الباسلة، ومع ذلك لا ينتظرون شكوراً من أحد، فاصنع لهم معروفاً بقول الحقّ عنهم، بإنصافهم بفعل أو قول، فإنّ الدعم المعنويّ أشدّ أثراً من الدعم الماديّ، اجعلوا لهم مساحة في كلّ زاوية؛ لتتذكّروا فيها صولاتهم الفدائية والأخلاقيّة والإنسانية، حتى لا يضيع حقّهم في زحمة هذه الحياة التي يتناحر فيها الخير والشرّ؛ لتبقى أسماؤهم زاخرة بالذكرى في نفوسنا وبالدعاء في صلاتنا وبالجود والسخاء بأموالنا مثلما جادوا هم بأغلى ما يملكون.