رياض الزهراء العدد 161 الحشد المقدس
لِمَاذا نَكتُبُ الوَطَنَ؟
قيل ويُقال: إنّ بكاء الشاعر قصيدة، وأنا أقول: إنّ بكاء الشاعر قصيدة ووردة! فما معنى أن يبكي الشاعر قصيدة؟ وما معنى أن يبكي وردة؟ في الأغلب يوصف الشاعر بأنّه وطنيّ حين يصف مرحلة معيّنة في بلده، ويؤرّخ لها ولمواقف شعبه فيها، وتخلد قصائده عندما يلامس حسّها الأجيال، ولكن هل بإمكان كلّ شاعر أن يكتب الوطن؟! قد تكون الإجابات مشفوعة بأنّ آلام الوطن هي المحور الذي ينطلق منه قلم الشاعر ليوثق حبّه إياه كعهد غير قابل للنقض ولمـَن يؤيّد: هل إنّ أوجاع الوطن هي فقط ما تدعو الشاعر إلى كتابته؟ لست بصدد إثارة تساؤلات، والدخول في دوّامتها من دون أن أستقرأ المعني منها، والمراد من بين أسطرها، فمَن يجد نفسه في أحزان وطنه يكتبه بنَفَس مشحون بالشجن على أبنائه وشعبه، ونادراً ما تخلو بلاد من هموم تعتاشها وآهات تقتاتها، لاسيّما تلك التي تكون مطمعاً لنهب الدخلاء ومشتهىً لحصد ثرواته الماديّة والبشريّة، مع كون الأخيرة أكثر وجعاً. أعرف أديباً كان يقول: "كلام الجرائد لا ينفع يا بنيّ، فأولئك الذين يكتبون في الجرائد يجلسون في مقاعد مريحة وفي غرف واسعة فيها مدفأة، ثمّ يكتبون!"، هل عُدنا إلى نقطة البداية؟ ليس استفهاماً جديداً، بل محاولة لتجريد خبايا الأقلام عن مقاصدها ونواياها، فأن يكون وطنكَ أرضاً وشعباً ومِحَناً، ويثير وشائج الالتصاق به مهما استفحلت تلك المحن، يختلف عن أن يكون وطنكَ جيشاً وحشداً، وأنّكَ ترى ذلك الوطن في عيون أولئك الذين يرابطون على السواتر، تراه حقّاً وصدقاً وفعلاً في تلك العيون التي لا ترى سوى أن تعود إلى الوطن بالوطن، هنا تبرز الحاجة، وتلحّ أن تكتب سِحر تلك العيون النادر، السِحر الذي يُخفي خلف عصاه آلافاً من حكايا التضحيات.