مَعنَى السَّعَادَةِ

فاطمة صاحب العوادي/ بغداد
عدد المشاهدات : 205

تململت.. بدأ الضجر واضحاً على ملامحها البريئة، وهي تتابع مكالمة والدتها مع إحدى رفيقاتها. وما كادت أمّ حسين تُنهي المكالمة حتى انفجرت زينب بالبكاء، ماذا يعني هذا يا أمّي؟ حتى اللقاء الذي كنّا ننتظره لن يتحقّق؟ كانت فرصة لألتقي بزهراء ونور وهدى، أمّي لقد مللتُ كأنّني في سجن، بل إنّه سجن فعلاً. بهدوئها المحبوب وبحنان الأمومة، ردّت أمّ حسين: لندعُ الله ألّا يطول الأمر. - زينب: ولكنّه قد طال يا أمّي. - أمّ حسين: حبيبتي لنناقش الأمر نقطة نقطة، ولنقم بحواريّة.. هل تسمحينَ بذلك يا آنسة؟ - زينب: عفواً أمّي، ولكنّي ضَجِرة ومستاءة. - أمّ حسين: فلنجرّب، أسألك أولاً: نحن نتّفق أنّ الله تعالى رحيم ودود ولا يرضى لعباده الشقاء، أصحيح؟ - زينب: بالتأكيد فكلّنا نعرف أنّ الله أرفق من الأمّ بولدها. - أمّ حسين: بوركتِ حبيبتي، إذن كلّ ما يأتي من الله فمن المؤكّد أن يكون فيه خير وصلاح مثلما أنّ الله تعالى ذكر في كتابه الكريم: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)/(البقرة، الآية: ٢١٦). - زينب: الحقّ يا أمّي، لقد لمست ذلك أكثر من مرّة، أشياء كنتُ أحزن لحصولها، وبعد مدّة أرى أنّ ما حصل هو الأفضل. - أمّ حسين: حفظكِ الله، أنتِ الآن تشتكينَ من هذه العزلة التي وصفتها بالسجن والفراغ وقلّة النشاطات. - زينب: نعم، لم أشعر بالفراغ من قبل، الدراسة، الصديقات... طاقة وحركة. - أمّ حسين: سلّمنا أنّه سجن فُرِض علينا، ولكن أليس بإمكان الإنسان بما منحه الله من إرادة وإيمان وخيال خصب أن يغيّر حاله، وأن يؤثّر في محيطه تأثيراً إيجابيّاً، فهذا إمامنا الكاظم(عليه السلام) كم من السنين قضى في سجون الطغاة ومع ذلك كان يقوم بواجبه الشرعيّ هادياً للأمّة، بل قد أثّر في سجّانيه حتى تحوّلوا إلى أتباع مطيعين. - زينب: روحي فداه، وأيّ سجن سجنه؟ لقد قرأتُ أنّ آخر سجن كان فيه لا يُعرف فيه الليل من النهار. - أمّ حسين: أنار الله قلبكِ يا زهرة حياتي، وكذلك نبيّ الله يوسف(عليه السلام)، السجن كان بمثابة الخلاص له من حبائل الشيطان. ثمّ إنّ كثيراً من الأدباء كتبوا أفضل أعمالهم وهم في السجن، السعادة والإبداع يا حبيبتي لا ينحصران في قالب معيّن، السعادة هو الشعور بالرضا بما قدّر الله والاستمتاع بما هو متوافر، لو نظرتِ بتأمّل هل مَن يملكون الأموال والجمال وحريّة التنقّل هنا وهناك هم سعداء؟ هل سعادتهم حقيقيّة؟ لماذا يكون الانتحار الخيار لدى الكثير منهم؟ تدبّري معي أحاديث سيّد البلغاء إمامنا عليّ أمير المؤمنين(عليه السلام): "سعادة المرء في القناعة والرضا"(1). وهناك حديث آخر يشير فيه إلى معنى السعادة الروحيّة وهي ثقة الناس بصدق المرء وعلمه فيقول(عليه السلام): "كفى بالمرء سعادة أن يوثق به في أمر الدنيا والآخرة"(2). انفرجت شيئاً فشيئاً أسارير زينب، فيما واصلت الأمّ كلامها: الآن هذه فرصة لكِ لممارسة هواياتكِ التي كان الوقت لا يتّسع لممارستها، فرصة لتكوني مع نفسكِ وتقومي ببعض المستحبّات.. فرصة لتجلسي مع إخوتكِ وتتبادلي معهم الأفكار، فرصة لتتكلّم الأمّ مع ابنتها وبهجة أيامها. ما رأيكِ؟ أليست فرصة؟ (..صمتت الأمّ لتلتقي نظراتها بنظرات ابنتها بمحبّة واشتياق) ألقت زينب نفسها في أحضان أمّها.. وهي تقول: أجل يا أمّي الحبيبة، إنّها فرصة السعادة والأمان. .................................. ١- عيون الحكم والمواعظ: ج1، ص206. ٢ - ميزان الحكمة: ج4 ، ص 311.