رياض الزهراء العدد 161 جائحة كورونا
رِحْلَةُ العَطَاءِ... نَبَاتٌ يَانِعٌ وَعِرفَانٌ لا يُنْسى
نتعجب حين نرى نبتة انبثقت من بين الصخور، أو أينعت في صحراء قاحلة وزيّنت جمود المكان وبدّدت قساوته بأزاهيرها الملوّنة، ونعومة أوراقها وصلابة وجودها، مشهد خلّاب يجعل عيون متذوّقي الجمال والمنبهرين بصنعة الخالق تتسابق إليه للتأمّل وتوثيقه بعدستهم. وكذلك العمل الإنسانيّ، يصنع هالة من الرضا والسعادة تحيط مَن قام بالمساعدة وأسهم بالتعاون، ومدّ يد العون في وقت صعب تمرّ به كلّ بلدان العالم. بالعمل الإنسانيّ نكسر قساوة الظروف وضنك العوز للكثير من المحتاجين، بعد أن شلّت (كورونا) الحياة اليوميّة، وكثرت الويلات وسكن الضيق الصدور وهربت الناس من الناس للحفاظ على السلامة. محنة أيام (كورونا) خافضة رافعة، ارتقاء روحيّ وعقليّ، كلّ بحسب رؤيته وقدرته، يرتقي ويرتفع أو ينخفض وينحدر، توزيع الكمّامات أو السلّات الغذائيّة، أو توفير الأوكسجين للمحتاجين من دون مقابل، أو الهبات الماديّة، أو السؤال عن صحّة المريض بكلمات طيّبة والدعاء للقريب والغريب، كلّها نبات يانع ينمو ويتمدّد ويكبر ويُثمر، فاندماج العطف والحاجة يولّدان عرفاناً لا يُنسى، ومنهم مَن اختار رحلة العطاء بكامل تفاصيلها وانكشافاتها وبياناتها. إحدى السيّدات الفاضلات تقول: كنتُ من الحائكات الماهرات، وانقطعتُ لسنوات عنها بسبب ظروف عائليّة، وبعد اجتياح (كورونا) خطر لي خاطر للعودة إلى ممارستها ليس طمعاً في مغنم ماديّ، إنّما نذرتُ يديّ لوجه الله(سبحانه وتعالى)، وكلّ النقود التي أحصل عليها من مجهودي في الحياكة أهبها للمحتاجين الذين لا يحنون رؤوسهم لغير الله، فتضاعف حبّي لهذه المهنة وأشعر براحة كبيرة وحماس لا يوصف. وشابٌ آخر يقول لم يمنعني مرضي المزمن من زيارة مرضى (كورونا) لمساندتهم ورسم البسمة على شفاههم رغم تحذيرات الأهل والأصدقاء، فذهبت مع أصدقائي بملابسنا التنكرية لنُدخل السرور والبهجة في قلوبهم، ورحنا نوزّع الورود الملوّنة كونها لغة القلوب الناعمة الرقيقة الجميلة، وعطرها الفوّاح يمنح الراحة ويعبّر عن المحبّة. طوبى للمساهمين بالقليل منه والكثير، الذين تصدّقوا مستمدّين أسلوبهم في العطاء والسخاء والمساعدة من قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "رجل تصدّق بيمينه فأخفاه عن شماله"(1). .............................. (1) ميزان الحكمة: ج ٢ ، ص 215.