رياض الزهراء العدد 161 منكم وإليكم
الطَّرِيقُ إلى الجَنَّةِ
بين كثبان الرمال الملتهبة بحرارة الشّمس، وريح الأسى التي تعصف بالنفس خطوات وخطوات، ودمعات تذرفُ لدمعات. الزمان: العشرون من صفر المكان: طريق السبي والأسر المنظر: رايات تخفق في سماءِ السائرين، حمراءُ وسوداء. الحمراء: ترمز إلى الدم المهدور في ظهيرة العاشر من المحرم. أمّا السوداء: فهي تعبيرٌ عن المواساة، لسيّدة الصبر الجميل، ولسجّادها العليل، مثلما هو حال الثياب السود التي لم تفرّق بين صغير ولا كبير، ولا بين غني أو فقير، إلّا الرضيع فقد تميّزَ بثوبه الأخضر؛ تشبيهاً بعليّ الأصغر. وأيّ ثوب ذاك الذي منحته السماء لعبد الله الرضيع(عليه السلام)؟ حينما رأت قماطه هوى على الصعيد ملطخاً بدم الوريد، حينئذ نادت الملائكة أباه بصوتٍ حزين، دعه يا حسين: إنّ لهُ مرضعة في الجنّة، وبعد ذاك النداء شاءت الأقدار بأن يكون للرضيع مهد، هنا وهناكَ تقف عنده الأنام في الأربعينَ من كلِّ عامٍ، تارة تهزّه الأنامل للبركة، وأخرى تذرف الدموع على نحره المقطوع، ثم بعد ذلك تعود الأقدام إلى مواصلة السير حتى نهاية الطريق، بل بداية حياة جديدة حيث جنّة الله تتجلّى على الأرض أمام أنظار الزائرين، وقد كُتب على بابها (هذا قبرُ الحسينِ بن علي(عليه السلام)) تلك الحروف التي خطّتها أنامل السّجاد(عليه السلام) على صخرة الألم، وشهدها بنو أسد، حينَ مواراة الجسد المُقطعِ إرباً، مثلما شاهدها جابر بعين البصيرة، لمّا ورد أرض كربلاء يوم العشرين من صفر، وما إن لامست يداه تلكَ الحروف الندية بدمع زين العابدين(عليه السلام) والملطخة بدم الشّهادة حتى نادى بصوتٍ عالٍ: يا حسين يا حسين، ولا من جواب سِوى صراخ اليتامى ونحيب النساء، أيا جابر!! لسان حالها يروي ما حصلَ من أرزاء، أمّا عقيلةُ الطالبيينَ(عليها السلام) فتقومُ من قبر وتقع على آخر، حتى انتهت إلى قبرِ حبيبها الحسين(عليه السلام) رمت بنفسها عليه، وبين ما هي تضمّه بين ذراعيها، كأنّي بتلكَ الحروفِ النورانيةِ تهمسُ في أذنها ألَم تقولِي: سيُنصب لهذا القبرِ علمٌ لا يدرسُ أثرهُ ولا يُمحى رسمهُ على مرورِ الليالي والأيام؟ نعم سيكونُ مثلما قلتِ بلْ ستخلُد زيارة الأربعينَ على مرِّ السنين، حتى يأذنَ الله تعالى لمهدِيّنا بالظهورِ.