رياض الزهراء العدد 161 منكم وإليكم
أُبشِّرُكِ فِي بَيتِنَا زَائِرٌ
على الرغم من ثفنات يديه وخشونتها، وتعب السنين الذي ارتسم على محيّاه بخطوط رسمها الزمان على وجنته المتعبة.. إلّا أنّه مجدّ في عمله وزراعة أرضه الصغيرة التي يهتمّ بها؛ ليعيش هو وزوجته ليوفّر قوت يومهما.. فيرجع مساءً إلى داره بعد أن تغرب شمس النهار.. وبالكاد تحمله قدماه.. رجل ستينيّ وزوجة خمسينيّة.. يعيشان في بيت بسيط يفتقد الكثير من وسائل الراحة المعروفة في يومنا هذا.. التي تعدّها بعض العوائل من أساسيّات حياتها.. أبو حمزة رجل مؤمن ملتزم بحبّ أهل البيت(عليهم السلام)، وقد ربّى أولاده الثلاثة على حبّ الأئمة الأبرار وقدّمهم فداءً للوطن، ودفاعاً عن الأرض والعرض وعن جميع حرائر العراق.. فأرخصوا دماءهم الطاهرة.. واحتسبهم عند الله تعالى.. ولكن على الرغم من شهادة أبنائه.. إلّا أنّ أبا حمزة قد أفرد غرفة في بيته.. وضع فيها صُور أولاده الثلاثة، وفي كلّ مساء يوقد شمعة بالقرب منها ويجلس ويحدّث صور أولاده وكأنّه يراهم بشخصهم.. وقد دخل يومًا إلى الغرفة فرأت أمّ حمزة علامات التعب والحزن باديةً على وجهه.. ولكنّه عادةً لا يُظهر حزنه على الرغم من كلّ الجراحات التي في قلبه.. تبعته بخطواتها المثقلة.. ونادته: ما الذي أهمّكَ يا أبا حمزة؟؟ رفع رأسه إليها وقالها بحزن: لثلاثة أيام على التوالي أقف على طريق الزائرين، أتوسّل إليهم وأدعوهم إلى بيتي لأستضيفهم وأخدمهم.. ولكنّني لم أوفّق لأفوز بهذه الكرامة..، لكنّ جاري أبا حسن كلّ يوم يرزق بزوّار الإمام الحسين(عليه السلام) فيحظى بخدمتهم.. هنيئًا له..، وقد أحسستُ لوهلة أنّ الله تعالى لا يريد أن أنال هذه الكرامة والخدمة.. قالها ودمعت عيناه.. فقالت له رفيقة دربه: على العكس، لكَ عند الله كرامة بأن وهب أولادكَ السعداء وسام الشهادة تزينت بهم في حياتكَ.. وذخرًا وشفاعة في آخرتكَ.. وقد واسيتَ السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام).. فأهدينا أفلاذ أكبادنا وهم ساروا على طريق ولدها سيّد الشهداء(عليه السلام)، وبعد كلّ ذلك تقول: ليس لكَ كرامة؟؟! تعال فلنصلِّ ركعتين نسأل الله تعالى أن يرزقنا غدًا من زوّار سيّد الشهداء(عليه السلام)، فقاما وأسبغا الوضوء وباتا يصلّيان ويناجيان الله تعالى إلى أن انبلج عمود الصباح.. تهيّأ أبو حمزة للخروج كعادته وعلى وجهه يرتسم الأمل، فلاحظ زوجته وقد بدأت تعدّ طعامًا كثيرًا.. فنظر إليها بابتسامة.. فقالت له: سيكون عندنا ضيوف بإذن الله تعالى. ارتسمت الفرحة على وجهه وتنفّس نفساً عميقاً وانطلق إلى رزقه الذي ينتظره..، وما كانت إلّا ساعة وأبو حمزة ينادي.. يا حاجّة لقد رزقنا الله تعالى، أبشّركِ في بيتنا زائر.