غَرِيبُ سُورَى
هو الإمام القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، وأخوه الإمام الثامن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وأخته السيدة الجليلة الفاضلة فاطمة (عليها السلام) معصومة قم المقدسة، وعمّ الإمام الجواد (عليه السلام)، وُلد الإمام القاسم (عليه السلام) عام 150هـ في المدينة المنورة على رواية. كان الإمام الكاظم (عليه السلام) يحبّه حبّاً شديداً، حتى إنه أدخله في وصاياه، وقال في حقّه لأبي عُمارة: “أخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي، فأوصيت إلى ابني فلان، وأشركت معه بني في الظاهر، وأوصيته في الباطن، فأفردته وحده ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني؛ لحبي إياه ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله(عز وجل)، يجعله حيث يشاء”.(1) ولم يمنح الإمام (عليه السلام) هذا الحبّ للقاسم (عليه السلام) إلّا لأنه رآه من خيرة أبنائه ورعاً وتقوى وتحرّجاً في الدين. ونحن نعلم أن قول الإمام وفعله حجة علينا، فهذا القول لم يكن اعتباطياً، بل رأى في القاسم (عليه السلام) الكفاءة التامة، والمقام الرفيع، وأراد أن يعرّف الناس بالقاسم (عليه السلام)، وأنه وليّ من أولياء الله(عز وجل) وصل إلى رتبة العصمة الاكتسابية، كما وصل إليها العباس ابن أمير المؤمنين (عليه السلام) وكذلك السيدة زينب (عليها السلام). هاجر من مدينة جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) صوب العراق مع القوافل التجارية التي فارقها عند مشارف الكوفة؛ ليسير بمحاذاة نهر الفرات قاطعاً المسافات الطوال، تاركاً كلّ قرية أو مدينة يمرّ بها حتى وصل إلى منطقة سُورى، وبقي ضيفاً على شيخ الحي لمدة ثلاثة أيام، ثم اختار أن يعمل لديهم في سقي الماء، فجذب الإمام القاسم (عليه السلام) بورعه وتقواه وعبادته وعلمه أنظار أهل الحي، وفي مقدّمتهم رئيسهم الذي كان يوليه اهتماماً بالغاً، وكان كلّما تفقده ليلاً وجده صافاً قدميه، قائماً قاعداً، راكعاً ساجداً، ونوره ساطع إلى عنان السماء، ثم إنه يمضي نهاره صائماً غالب الأيام، وبهرهم بشجاعته الهاشمية حينما كان رجال الحي غائبين، وهجم قطاع الطرق على الحي، فدافع عن النساء والأطفال وأبلى بلاءً حسناً وهزمهم، وقد وقع في نفس الشيخ موقعاً حسنا؛ لذا استقر في نفسه أن يزوّجه إحدى بناته، غير آبه لاعتراض قومه على ذلك، فتمّ الزواج وأثمر عن بنت واحدة. توفي الإمام القاسم (عليه السلام) في الثاني والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 192هـ على رواية، ولم تذكر لنا الروايات ما هو سبب موته وهو في ريعان الشباب، ولكن من المرجح أنه لم يحتمل آلام فراق أهله ومدينة آبائه وأجداده، وأنواع المحن التي تعرّض لها، فمات غريباً وحيداً بعيداً عن أهله ووطنه. .................................. (1) الكافي: ج1، ص465.