وَغَابَ البَدرُ الأَمِينُ

زينب العارضي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 205

عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: "لما قُبض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بات آل محمد(عليهم السلام) بأطول ليلة حتى ظنّوا أن لا سماء تظلّهم، ولا أرض تقلّهم.."(1). في الثامن والعشرين من شهر صفر كان بيت النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) على موعد مع القدر، وما انبلج في ذلك اليوم الحزين نور الفجر، فقد كان صبحه أشدّ عتمة وحلكة من الليل، فرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يعتزم الرحيل إلى جوار المولى الجليل. ويسود الفضاء بعين بضعته الزهراء(عليها السلام) وهي ترى قرب تلك الساعة المحتومة، التي تُنذر بوقوع الكارثة في الأمّة التي ستتنكّر لكلّ جهاد أبيها وبعلها وجهودهما، حتى تطلّ الفتنة بأراجيفها المشؤومة. آهٍ لقلبكِ يا فاطمة وهو يفيض بالحسرات، آهٍ لعينيكِ وهي تمتلئ بالدموع الحارقات، فلا الدمع يطفئ لوعتكِ، ولا النحيب المتواصل يهدئ من روعكِ ويمحو حسرتكِ. لهفي على حسّكِ الرهيف، لوعتي على بيتكِ الشريف، الذي سيكون نهباً للحتوف، آهٍ لكِ وأنتِ تضمّدين جرح الغياب بحدّ السيوف، سيوف العبرات والكلمات، والخُطب والأنّات في المسجد أو الطرقات... حتى يكون بيت أحزانكِ ملاذ روحكِ المتعبة تنفّسين فيه عن ألمكِ، وتعلنين من فنائه المخضل بدمعتكِ نهضتكِ وثورتكِ، فأنتِ أكثر مَن يدرك حجم النكبة التي حلّت بالأمّة بعد رحيل والدكِ، إنّ الموت الذي أسكت صوته وأوقف نبضات قلبه، مهّد السبيل إلى رجعة جاهليّة وردّة وثنيّة، تعدّى فيها أقطاب النفاق على سادات البشريّة، وأقصوهم بدءاً ببعلكِ المرتضى عن منازلهم الربّانيّة. يا لها من فتنة ابتدأت منذ لحظات الرحيل الأولى لخاتم الأنبياء والمرسلين(صلى الله عليه وآله وسلم)، واستمرّت إلى الآن بآثارها وما خلّفته وراءها رغم امتداد السنين، وكنتِ وزوجكِ الوصيّ لها أول المدركين، آهٍ لكِ ماذا تفعلين؟ ولمَن تُنذرين؟ ومع مَن تتكلّمين؟! وقد صُكّت الأسماع عن سماع صوتكِ، وأُغلِقت العيون عن رؤية حقّكِ، وبكمت الألسن عن نصرتكِ، واجتمعت أبواق النفاق على تشويه الحقّ وإخماد وهجه العظيم، وبُثّت السموم في أوساط الأمّة المنكوبة؛ لتحرفها عن المسار الذي اختطّه الرسول حتى حادت عن الصراط المستقيم. سيّدتي رحل أبوكِ واتخذت رحلة كفاحكِ لوناً آخر قد اصطبغ بالدمع والدم، فقد غار الإنصاف ونكست راية العدل والسلم، وأعلنت الحرب جهاراً نهاراً على بيت لطالما أنس به النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، بيت أوسع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أهله باللثم والتقبيل، والإكرام والتبجيل، طرقه لشهور أمام الملأ وهو يقول: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)/(الأحزاب، الآية:33)(2). بيت انبثقت منه أنوار الإمامة، فكان في حياة أبيكِ للتائهين مناراً وعلامة، ولكن آهٍ من نوائب الدهر وغِيَر الزمان، حينما تقصد خنق الحقّ وإقصاء صوت الحقيقة والقرآن. واليوم وبعد تقادم السنين والأعوام، ها نحن نلتحف الأسى، ونفترش الصبر، ونعضّ على الجراح والآلام، بانتظار حفيدكِ المغيّب إمامنا المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، نترقّب ظهور الأمر، والمطالبة بالثأر، وإعادة الحقّ المسلوب إلى أهله، وإعلاء راية الإسلام الحقيقيّ في أصقاع الأرض التي باتت من الجور تستغيث به كلّ يوم وتناديه: عجّل يا قرّة عين النبيّ الأمين، حتى ذلك الحين سنبقى منتظرين، ولدين الإسلام الذي فداه أبوكِ وضحّيتِ له بحياتكِ وبنيكِ متبعين، سيأتي ولدكِ الموعود وسيؤم الملأ يوماً، وسنقف خلفه نبكي ونقول: الحمد لله ربّ العالمين، ها قد أتى معزّ المؤمنين ومذلّ المنافقين. ...................................... (1) بحار الأنوار: ج ٢٢ ، ص٥٣٧. (2) شرح أصول الكافي: ج1، ص73.