خُطواتٌ وَدَمعَاتٌ
على طريق العشق يسير القلب قبل أن تسير الأقدام، وتنطلق الروح المتيّمة بين الجموع بلهفة وحزن، أيام الأربعين ما هي إلّا أيامُ تجديد العهد والوفاء لآل بيت النبيّ الأتقياء(عليهم السلام)، فما ترى العين في هذه الأيام المباركة إلّا لوحة متكاملة تزخر بالنور تسمّى بلوحة الحبّ والولاء، فجميع الأفراد صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، أطفالاً وشبّاناً، كلّهم يصطفّون على باب الهدى يطلبون الزيارة والخدمة... وكأنّ سيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) قد سخّر القلوب فباتت كلّها تسعى إليه بطريقة أو بأخرى، فنرى من يطبخ الطعام للزائرين وهو يردّد: "خدمة الزائر شرف"، ونرى آخر قد فتح بيتاً أو حسينيّةً لمبيت السائرين نحو قبلة الأحرار وهو يردّد: "إن لم يسعكم المكان وسعتكم القلوب"، ونرى طفلاً يوزّع الماء وهو يردّد: "اشربوا الماء واذكروا عطش الرضيع"، ونرى صغيرة تُمسك عباءتها بقوة وكأنّها تتمسّك بها وهي توزّع الدعاء والزيارة وكأنّ لسان حالها يقول: "أنا فداء لعباءتكِ مولاتي رقيّة".. لوحات تُرسم بالدموع والحسرات على طول طريق الهدى والإيمان، ولسان جميع مَن يخطو إلى الأرض المقدّسة كربلاء إنّما هو: تمشي إليكَ توسّلاً خطواتي... وأعدّها إذ إنّها حسناتي... فكم من تائب على هذا الطريق غسل بدموع الندم أدران الذنوب وطهّر روحه من كلّ سوء، فيمّم وجهه طاهراً مطهّراً نحو مولاه الحسين(عليه السلام) كيوم ولدته أمّه! وكم من مخطئ أصلح سيرته وأعماله وجاء قاصداً إمام العاشقين؛ ليجعل من هداه (عليه السلام) نهجاً ومنهاجاً للحياة وكم من ذَاتِ بَيْن أصلِحت، وبطن أُشبِعت، وعداوة مُحِيت، وصداقة وُطّدت، ومحبّة وُثقت وكم من روح باتت أنقى، ونفس صارت أتقى وكم من ضالّ هُدِي للصلاح، كلّ ذلك ببركة دماء سُفِكت على طريق الفلاح... فدماء الإمام الحسين(عليه السلام) التي سُفِكت على أرض كربلاء إنّما أيقظت القلوب والعقول، وسطّرت أروع ملاحم الإنسانيّة في الذود عن الحقّ والحقيقة والإيمان، فما يكون من الوفاء لتلك الدماء الزاكيات إلّا تجديد العهد، وما يكون من ردّ الجميل إلّا تعلّم سيرة المولى(عليه السلام) وانتهاجها في كلّ مفاصل الحياة، وما يكون من صدق الولاء إلّا أن نكون حسينيّين بدفاعنا عن الحقّ، عبّاسيّين بنصرتنا له، زينبيّين بإكمال مسيرته.