رياض الزهراء العدد 161 من على نهر العلقمي
إلى دِفْئِكَ خُذْنِي
أبتاه.. أبا عبد الله(عليه السلام).. دعني أقبس من حنانكَ دُرراً زاهية الألوان... ورحيقاً ريّانَ تمِيلُ روحي به نشوى... دَعْ أَحرُفَكَ تتهادى على أوتار فؤادي الملتَهبةِ ظَمَأً إليكَ وحنينـاً، فأرتِّلها بِلُغةِ الدمعِ آيَةً تنبثُّ بياضاً كاللجين، ونقاءً كارتعاشات الكوثر.. آيةً تسمو على الكلم، لا يقيدها حرفٌ ولا لغة.. تعطِّر فضاءَ الجوانح، بضياء الفجر ورائحة الشروق... وتدغدغ الخلايا بشذا الطهر ولون الإيمان... أبتاه.. يا سورة الفجر... يا نوراً ضخّ الحياة في أوردة المساءات القاتمة.. ويا غيمة حنانٍ طالما أمطرت لؤلؤاً منثوراً... تتلاشى المسافات.. وتتداعى تقاسيم الزمن... ويذوب الغيم ويختفي... وأنتَ.. أيّها العملاق العظيم... لا تزالُ تنظم من الرحمة والعطاء عقوداً تتدلى.. إلى ما لا نهايـة...! وَنَداكَ شمسٌ دافئة.. لا تجيد حرفة الانطفاء... لا تزال الروح تنهل من روائها كَزهرةٍ عطشى، ملتهبة الأحشاء.. تنتظر تباشير الربيع بكلّ جوارحها... والربيع هو أنتَ أيّها السيّد العطوف.. والإمام الرؤوف... أنتَ الربيع الذي يشرب الكون زلاله الأخضر.. وتشرق القلوب بنوره، وتزدان بنجيمات حبّه المتلألئة... وأنتَ حياة الروح ونبض كلّ الممكنات... بقطرات الضوء التي نثرتَها مع أوراد الدم، تبرّكت خلايا دمي... وبحروفكَ تبتّلت محابري... وسكنت حروفي إلى محراب اسمكَ الألِق، تستلذّ بكؤوس المعاني المتضوّعة من تلك الأحرف القدسيّة... أبتاه... إنّي أريدكَ.. أريدكَ شمساً تمدّ روحي المتعبة برائحة الفجر التي تعبق بها آياتكَ... أريدكَ إكسيراً يجلو عن جدران قلبي سواد الذنوب والغفلة... أريدكَ غيثاً يبلّ أوردتي بمعين النور الزلال... أريدكَ حضناً دافئاً أحتمي بظلّه من وعثاء الدنيا... أريدكَ... أريدكَ... أريدكَ... لأنّكَ "الحسين"... أنتَ "الحسين"... الورد يرتوي من عزّتكَ وإبائكَ... والهواء ينتشي بلون العطر الذي ينسكب بوداعة من ثنايا دعائكَ ومناجاتكَ... والماء يغضّ طرفه حياءً من هذا الصفاء الذي يتفجّر من روحكَ السامقة... الكون كلّه يرنو إليكَ ويستجدي منكَ زخّات الحنان... أنتَ "الحسين"...فليجفّ من بعد وقع اسمكَ كلّ يراع...! ولطالما حاولوا طمس نوركَ، وأخفقوا... فالليل لا يطول النهار...! أبتاه... إنّي أريدكَ... فلعمري لو انسلخت المسافات من حدودها وتكوينها، ولو فقد الدهر نبضه وإحساسه، لبقيتُ على أعتابكَ أمرّغ بتربك ناصية قلبي، وللزمتُ قبركَ حدّ تعطّش الزهر إلى الماء.. حدّ الذوبان.. في كيانكَ ومعانيكَ... أُلطخُ كلَّ الزوايا برفيف العبرات.. وأناجيكَ.. بدمعةٍ خجلى... من كثرة ذنوبي... سيّدي.. أتقبلني لك ابنةً..؟!... وأيّ شرفٍ يا معشوق فؤادي.. أعظم من هذا... ؟! أتقبلني... أيّها الحبيب؟؟؟ لكم أتمنّى يا سيّدي لو كنتُ بجواركَ حين فطّرت واعيتكَ قلب الحجر والمدر... أنحني بين يديكَ مؤدّيةً طقوس الحبّ والولاء... وأمسح عن جبينكَ ما تماوج عليه من تعب وألم... وأمنع عنكَ تلك القلوب المتحجّرة والرماح العوسجيّة والسهام المتطايرة... وإن احتوشوني، أصرخ بكلّ جوارحي: دعوه.. هذا أبي... هذا عزيز فؤادي... هذا ابن رسول السماء...! أتقبلني... أيّها الحبيب؟؟؟ يا أيّها الإمام الحنون.. والأبّ الرحيم... لا تتركني لضعفي وغفلتي... وامدد قلبي بالنور والإيمان... لأكون من الطالبين بثأركم مع إمامٍ هدىً ظاهرٍ ناطقٍ بالحقّ منكم.. وأصرخ: "يا لثاراتِ الحسين"...!