القُربُ المُرجُوُّ

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 203

لطالما رُفعت الأكفّ، وجفّت الألسن، واختنقت العبرات، وارتفعت الدعوات، وخفقت القلوب، وتعلّقت الآمال بالأمل الموعود. كيف لا وفي ظهوره تزدان الحياة، وتعود إلى مجراها القويم، وطريقها المستقيم..؟! كيف لا وفي بزوغه انبثاق لحُلل النور التي أطفأتها ظلمات بني الإنسان..؟! كيف لا وفي طلوعه جبر للقلوب المنكسرة وتضميد للمعوزين، وجرعة أمل للظامئين..؟! وكلّما ضاقت الصدور وتلبّدت الغيوم وازداد البطش، صار الدعاء ملحّاً، والحاجة ماسّةً، والرغبة جامحةً في حدوث التغيير، وكفّ يد الظلم والجور. وكلّما حلّ يوم الجمعة اشرأبّت الأعناق، وتعالت الأنّات، وتدفقت دموع الشوق على الغائب المغيّب عن الأنظار الإمام القائم بالحقّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). وصار الانتظار هوية العاشق الولهان، وأمارة المحبّ الظمآن، وراية المنتظر الحالم في يوم الفرج القريب. جاء عن الإمام الصادق(عليه السلام): «أما والله ليغيبنّ عنكم مهديّكم حتى يقول الجاهل منكم: ما لله في آل محمّد حاجة، ثم يُقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً»(1). وللانتظار فلسفة عظيمة تتنوّع فيها الموارد والغايات، والجمع المتيّم كلّ يدلو بدلوه، وطريقة فهمه وتعاطيه مع فلسفة الانتظار، فمنهم من تعبّأ بدعاء الفرج لا يغفل عن تكراره في كلّ صلواته وسجداته وابتهالاته، ومنهم مَن اتّخذ قضاء حوائج الناس سبيلاً إلى بلوغ آماله، وغايةً لنيل أحلامه في الظهور الميمون والفوز بلقياه الشريفة، وبعضهم عمل على إصلاح نفسه وتشذيب سلوكه وتقويم ذاته عسى أن يحظى بأن يكون من أنصاره وأعوانه والممهّدين له في دولة العدل السماويّة المفتقدة. والبعض الآخر جاهد كي يستسقي من نمير العلوم النافعات، والتطلّع بنَهَم للردّ على الشبهات، والدفاع عن شريعة الإسلام، وتفنيد الادّعاءات الكاذبة والحجج الواهية بشأن الظهور المرتقب. وهكذا بين متعبّد وعامل ومجاهد يندرج الموالون، كلٌّ يبغي القرب، إلى الله والعمل على تعجيل الفرج لصاحب الأمر والزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف). ولكنّ الإمام الموعود لا يزال في غيابه، لم يُؤذن له في الخروج، فهل يا تُرى شاركنا بقول أو فعل أو جريرة وأخّرّنا مشروع السماء؟! فأيّ قرب كان حريّاً بنا الوصول إليه وبلوغه كي ننهل من عذب مائه، ولم نصل إلى مورده حتّى الآن؟! .......................... (1) كمال الدين: ص٣٢١، ب٣٣، ح٢٢.