بَينَ ليلَةٍ وَضُحَاها

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 202

فجأةً .. وبدون سابق إنذار تسكت كلّ الأصوات ويعلو صوت عقارب الساعة، بل إنّ الأذن لا تكاد تسمع شيئاً غيره. تك تُك تك تُك.. تخترق الأذن بسرعة الضوء لتصل إلى القلب مباشرةً؛ فتثير غبار الخوف والقلق، وبلمح البصر تثقب كلّ صناديق الذكريات القديمة، فتسيل من ثقوبها كلّ ساعات العمر بحلوها ومرّها، فتتهاوى نجوم المواقف فوق الرؤوس، هنا ابتسامة، وهناك حزن، وما بينهما لحظات من ندم وحسرة .. ولكن هيهات لهذه المشاعر أن تُعيد ما يجب فعله حينها. أغلب ما سطّره قلمي أعلاه ممكن الحدوث، مع اختلافات لها الأثر البالغ في النتائج، فكلّنا يسعى إلى إسعاد نفسه والآخرين ليبلغ مناه في رضا الله(سبحانه وتعالى)، ولكن في بعض الأحيان ما نراه سعادة لنا، قد يكون تعاسة للآخرين، وهنا يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ المستقبل البعيد القريب سيحمل بين طيّاته كلّ أسى مَن ذاقوا التعاسة على يدي صاحب مشاعر السعادة الوهميّة وتأوّهاتهم، حيث صنع لنفسه فقاعة مزركشة بأجمل الألوان المحبّبة له، فأخذت تكبر وتكبر، حتى يحين بعدها موعد القطاف ليفقأ كلّ ما كان مجوّفاً من الداخل، (وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)/ (الرعد: 17). وعندما نريد تحديد ما ينفع الناس يجب علينا أن نقرّر الوجهة التي نبتغيها؛ كي لا يضلّ سعينا في الحياة الدنيا كما قال تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)/ (الكهف: 104) فمنافذ الخير كبيرة وواسعة، فقط تحتاج إلى إزالة حُجب الكراهية والبغضاء، ومشاعر الحسد وما إلى ذلك من مفردات لا أستسيغ حتى كتابة حروفها، وهي ممّا تغلق الطريق على مَن لا يملك الإرادة القويّة للوصول إلى رضا الله(سبحانه وتعالى)، ويتفنّن في ابتكار الذرائع التي تبقيه في مكانه من غير مسير، وعلى الضفّة الأخرى من النهر نجد مَن شمّر عن ساعديه، واستعان بالله تعالى ثمّ مضى مهرولاً نحو المنافذ، وما أكثرها فأخذ يقتنص الفرص الواحدة تلو الأخرى، تارة يبتسم بوجه إنسان مرّ من أمامه، وتارة أخرى يمسح على رأس طفل يتيم، وتراه هناك يُعطي مَن يستحقّ بدون إشهار أو إذلال للآخر، وفي موطن آخر يُزيل حجراً من منتصف الطريق، أو يُمسك بيد شيخ كبير ليقطع الشارع بسلام، هل يوجد ما هو أسهل من هذه المنافذ؟ ولو أردتُ أن أكتب تعداداً فقط لها لما وسعت مجلّدات كاملة لحصرها، كلّ ما في الأمر هو تحديد الوجهة والغاية والإصرار على الوصول بعون الله (سبحانه وتعالى) ومثلما قال الإمام الصادق(عليه السلام): «العامل على غير بصيرة كالسائر على السراب بقيعة، لا تزيد سرعة سيره إلّا بعداً»(1). عندئذٍ حين تسمع صوت حركة عقارب الساعة تُسرع الخطى إلى الأمام، في حين أنّ العمر يسير في الاتجاه المعاكس، وتنهمر عليكَ كلّ مشاهد حياتكَ.. ستعلو الابتسامة شفتيكَ، ويسكن الهدوء بين ربوع قلبكَ وتحمد الله وتشكره على جزيل عطاياه وتتحفّز لاقتناص الفُرص من المنافذ التي لم تصلها، وتضع الخطّة للانطلاق الجديد. ....................................... (1) ميزان الحكمة: ج3، ص410.