المَجَالِسُ الحُسينِيَّةُ فِي زَمَنِ كُورونا
تعدّ المجالس الحسينيّة التي تقام سنوياً أيام محرّم الحرام مظهراً من المظاهر الإحيائيّة لاستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء المقدّسة. إنّ إحياء الشعائر الحسينيّة تؤدّي دوراً مهما في توجيه الأجيال الشابة وتربيتهم، واطّلاعهم على التاريخ الذي تنتمي إليه، وفيما تعدّ ملحمة عاشوراء تجسيداً لمواجهة الحقّ أمام الباطل، والعدالة أمام الظلم، والنور أمام الظلمات، والعلم أمام الجهل، والحريّة أمام العبوديّة فمجالس عزاء سيّد الشهداء(عليه السلام) فرصة للتعريف بكلّ هذه المفاهيم وبقيم النهضة. فللمجالس الحسينيّة أهميّة كبيرة، وقد كان لها الأثر البارز على مرّ العصور في توعية المجتمع ورسم طريق الحريّة، وإلهام المفكّرين في الكثير من القضايا التي كان لا بدّ للناس من أن يلتفتوا إليها، وعدّت مدرسة للأجيال في مختلف الأزمنة، اليوم يمرّ العالم بأزمة أثّرت في مجرى الحياة، وأوقفت الكثير من النشاطات التي كان يمارسها الناس، ومن تلك الأمور التي تأثرّت واعتادها عشّاق أهل البيت(عليهم السلام) إقامة مجالس العزاء طوال شهري محرّم وصفر، هذه المجالس عدّت وسيلة من وسائل التثقيف بشأن الفكر الحسينيّ، فالمجتمع اليوم أمام تحدٍ كبير ألا وهو الحفاظ على استمراريّة إحياء ذكرى استشهاد سيّد شباب أهل الجنّة(عليه السلام) وفي الوقت ذاته الحفاظ على الأنفس من هذا الوباء القاتل، فكيف يتمّ ذلك؟ في جولة أجرتها مجلّة رياض الزهراء(عليها السلام) مع مجموعة من الأخوات المواليات اللاتي اعتدنَ إقامة مجالس العزاء أو حضورها، كلّاً تحدّثت عن جانب له أبعاده وتأثيراته في المجتمع، ومنهنّ مَن قدّمت إجابة لتساؤلنا عن كيفيّة إقامة المجالس مع وجود كوفيد 19. حكمة البكاء تحدّثت السيّدة أزهار عبد الجبّار عن حكمة البكاء على الإمام الحسين(عليه السلام)، مبتدئة بقوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )/(الحج: 32): تُعدّ مجالس العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) من شعائر الله(سبحانه وتعالى)، ويُعدّ البكاء أهمّ مظهر من مظاهر العزاء على سيّد الشهداء(عليه السلام)، وقد حثّت عليه الروايات بوضوح؛ ممّا يجعله من أولويّات الشعائر الدينيّة، وفي الأمالي مسنداً إلى الإمام الرضا(عليه السلام) قال: «من تذكّر مصابنا، فبكى لِما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر مصابنا، فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم القيامة..)(1). لقد جسّدت النهضة الحسينيّة أسمى المآثر الإنسانيّة في التضحية، وأروع البطولات عبر التاريخ، وجعلت منها ذكرى خالدة بين أهل الأرض والسماء، ونحن عندما نبكي على الإمام الحسين(عليه السلام) نبكي مواساةً لأهل البيت(عليهم السلام) وبيان مظلوميّتهم، إضافة إلى الأجر والثواب، إذن بكاء المظلوم عبارة عن صرخة بوجه الظالم. وقاية الأنفس من الإصابة بفيروس كورونا وإقامة الشعائر الحسينيّة تحدّثت السيّدة ليلى إبراهيم عن كيفيّة وقاية الأنفس مع إقامة الشعائر مبيّنة: بإمكاننا الاستمرار على إقامة المجالس الحسينيّة في شهر محرّم، وعلينا الالتزام بتعليمات خليّة الأزمة، وتوصيات المرجعيّة وعدم التجمّع بأعداد كبيرة في مكان واحد، لذا علينا أن نستعين بالتكنولوجيا الحديثة، والتواصل عن بعد، ونجعل من مصائب الامام الحسين(عليه السلام) وما جرى عليه في يوم عاشوراء طريقاً للنجاح والخلاص في الظروف الحالية، لنقتدي به (عليه السلام) ونتعلّم منه كيف يكون العطاء للدين بالنفس والولد، ونعلّم أبناءنا السَير على هذا النهج. آثار المجالس تحدّثت الإعلاميّة سوزان الشمّري إلينا عن آثار إقامة المجالس، ومَن يحضرها بقولها: نجد أهميّة المجالس الحسينيّة في أوجها اليوم، حيث يشهد العالم جائحة عالميّة تتطلّب تفعيل مناهج أهل البيت(عليهم السلام) في تراحم الناس مع بعضهم، وتتجسّد فيها أهميّة الضمير الأخلاقي الذي لطالما نادى به الإمام الحسين(عليه السلام) حينما قال: «وإنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي»(2). الإصلاح هو المبدأ الأكثر أهميّة اليوم ونحن نشهد مشكلات اجتماعيّة وسياسيّة وصحيّة، الإصلاح الذي طالما نادت به الشعائر الحسينيّة لتوعية الناس. المجالس اليوم نحن أحوج ما نكون إلى المجالس الحسينيّة لإعادة بيّنة الإنسان، ليس على مستوى محرّم الحرام وصفر وإنّما هي دعوة لاستمراريتها على مدى الأيام لتكون برنامجاً لعودة الانسان من غفلته والدعوة إلى أن تكون منهاجاً تدريسيّاً لتكون مشروعاً للتنمية البشريّة للأجيال القادمة وداعمة للأجيال الحالية. أمّا عمّن يشارك في المجالس الحسينيّة فهي ليست مشروعاً لفئة أو طائفة معيّنة وشريحة بعينها، إنّما هي منهاج عالميّ لكلّ الطوائف والأجيال ولا يقتصر على مدّة زمنيّة معيّنة، ولا تحدّد بأيام دون غيرها فالحسين(عليه السلام) ومبادؤه لم تكن دعوة لحظيّة لحقبة معيّنة، وإنّما رسالة استمراريّة حداثويّة للإنسان في كلّ الأزمان. تأثير كورونا في إقامة المجالس الحسينيّة فيما بيّنت الكاتبة إسراء العكراوي: أنّ الأمر نسبيّ، فحتّى الآن لا نرى لكورونا ذلك الأثر الظاهر في مجتمعنا من حيث الالتزام بالعزلة، فالأسواق مكتظّة والزيارات العائليّة مستمرّة، لكن لا سمح الله إذا ازداد معدّل الإصابات فسيؤثّر ذلك بلا شكّ في المجالس الحسينيّة من حيث عدد الحضور، أمّا من حيث كونها مجالس ستعقد فلا أظنّ أنّ التأثير سيكون كبيراً، ففي عالم التواصل الإلكترونيّ أصبح بالإمكان عقد اجتماع أو ندوة أو مجلس حسينيّ عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، وذلك أضعف الإيمان. فرصة لإظهار الهويّة أوضحت الكاتبة ضمياء العوّادي: أنّ إقامة مجالس العزاء هي إحدى مصاديق تعظيم الشعائر وتقوى الله، وهي فرصة سانحة لإظهار الهويّة الشيعيّة، فقد جسّد الإمام الحسين(عليه السلام) وأصحابه بشهادتهم وتضحياتهم مبدأ الإسلام وركيزته، أي التوحيد بالله، وأهمّ ما يستفيد المرء من هذه المجالس أنّها منابع للتربية الروحيّة، فكثير من الأمور تربّي الشخص في تلك المجالس بداية من الدمعة التي تضفي النقاوة على القلب كونه يقيس مدى رقّته وعطفه، ومدى قسوته أيضاً، فهناك أحاديث تشير الى هذا المفهوم فقد ورد عن الامام عليّ(عليه السلام): «ما جفّت الدموع إلّا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلّا لكثرة الذنوب»(3) فتعرف ذنوبكَ عن طريق الدمعة، فتخجل من نفسكَ وتلتجئ إلى التوبة، هذه جزئية واحدة فقط، ولو أردنا التفصيل لوجدنا الكثير من جزئيات المجالس التي تبني الإنسان بناءً صحيحاً. من الثوابت المؤكّدة لدينا هو إحياء مجالس العزاء وحضورها والتفاعل معها، وأخذ العِبر والنصائح التي توجّهنا نحو سبيل النجاح، على أن لا ننسى أهميّة تطبيق المبادئ الحسينيّة في حياتنا العمليّة، لكي نحقّق الاستقرار والنجاح الأكيد؛ لكن اليوم ومع اجتياح كورونا للعالم وتهديدها للأنفس التي أوصانا الله أن نحافظ عليها، يجب إيجاد البدائل عن إقامة المجالس المكتظّة التي لا يُراعى فيها شروط الوقاية، ونلتزم بإقامة ذكر أهل البيت(عليهم السلام) بين عوائلنا، إضافة إلى ذلك بإمكاننا أن نعيش أجواء المجالس الحسينيّة عن طريق تكنولوجيا العصر التي فتحت الأبواب على مصراعيها، ويسّرت الأمور، ويعدّ ذلك حلّاً مؤقّتاً لحين الخلاص من الجائحة . ................................. (1) آمالي الصدوق: ج4، ص131. (2) كلمات الامام الحسين(عليه السلام): ج1، ص288. (3) ميزان الحكمة: ج13، ص12.