رياض الزهراء العدد 160 لحياة أفضل
بَراعِمُ أرهَقَها الخَجَلُ
انطواء الطفل وعزلته من الظواهر الأكثر شيوعًا بين الأسر، ونادراً ما يهتمّ لها الأبوان، وقد يرحّب البعض بتلك العزلة لاستحباب هدوء الطفل، ولأنّ الطفل المصاب بالخجل لا يزعج أحداً، فيمرّ الجميع على خجله مرور الكرام، ويعدّه دليلاً على الانضباط والاحترام من دون الوقوف على الأسباب التي أدّت بالأبناء للوصول إلى حالة من الانطوائية، ويعدّ خجل الأبناء من الصفات التي ينبغي التركيز على معالجتها في مراحل مبكّرة، حتى لا تؤثّر سلباً في مشوارهم في الحياة، فالخجل هو نتيجة عدم الثقة بالنفس، وقد تنعكس على شكل أمراض عضويّة أو نفسيّة، وتؤدّي بالنتيجة إلى الميل إلى العدوانية ويصنّف المختصّون الخجل إلى نوعين: الخجل السويّ، والشديد. والأخير هو ما نتكلّم عليه حتى أنّه يتطوّر ويجعله عرضة للكآبة، فبعض الأولاد يتميّزون ببطء الاستجابة، ويفكّرون بالأشياء قبل القيام بها، ويفضّلون المراقبة على المشاركة، والخجل أكثر تأثيراً في الإناث منه على الذكور؛ لذلك نجد كثيراً من الفتيات يشعرنَ بفقدان الثقة بالنفس في بعض مراحل حياتهنّ كبداية العمل أو الالتحاق بمرحلة دراسيّة جديدة، بل البعض منهنّ ليس لها القدرة على التحدّث مع مَن حولهنّ بسبب المشاكل التي قد يعانينَ منها، والنشأة الخاطئة، وتشجيع السلوك الهادئ عند الأولاد يُعطي فرصة لانزواء الطفل فيشبّ على تلك الانطوائية والخجل، وكثير من العادات والسلوكيات الخاطئة تُهمل ولا تُعالج في مراحل مبكّرة؛ ممّا يؤدّي في نهاية الأمر إلى إصابة الأبناء بالاكتئاب النفسيّ الذي يقف عائقاً أمام قدرتهم على العطاء في المجتمع ويؤثّر فيهم ويتأثّر بهم، حيث يرى معظم علماء النفس أنّ للتربية التي يتلقّاها الطفل في المنزل أهميّة بالغة في تطوير شخصيّته، وبما أنّ طفل اليوم هو بذرة لبرعم يافع لبناء مستقبل جديد؛ يجب أن تكون للأبوين قدرة ثقافية على التربية وعلى تدريب أولادهم على التأقلم مع الظروف غير الاعتيادية، وتقبّل الأشياء الطارئة والمتغيرات التي تحصل في محيط الطفل بشكل يومي، عن طريق تشجيعه على المخالطة مع الآخرين، وإبداء الرأي، لأنّها تؤثّر بشكل كبير في قدرته على التأقلم في المستقبل وعلى زرع الروح الإيجابية في نفسه فنادراً ما نجد مَن لم يمرّ بمواقف محرجة في الماضي، فذلك أمر طبيعيّ, لكنّ المهمّ كيف نوظّف تلك المواقف، ونستفيد منها استفادة تجعلنا نتعلّم منها لحاضرنا ومستقبلنا في مواقف مشابهة قد تعترضنا مع التخلّص من الأثر السلبيّ لتلك المواقف بالتفكير الإيجابي مع تقليل أهمّيته بوصفه موقفاً محرجاً أو مؤلماً مقابل إنجازاتنا وما نمتلكه من إيجابية. ومن المعروف أنّ الفكرة هي المسبب الرئيسيّ للمشاعر؛ لذا فإنّ تغيير الفكرة هي الخطوة الأولى لتجاوز المشكلة وأن تجعل تركيزكَ على عملكَ، لا على رأي مَن حولكَ بكَ، مع تجنّب انتقاد الطفل بشكل مستمرّ، أو الاعتداء عليه بشكل جسدي أو نفسي؛ لأنّ ذلك سوف يزرع بداخله بذور الأمراض النفسيّة التي تتفاقم مع مرور الزمن. تقرّب الآباء من الأبناء، وحلّ مشاكل الانطواء والخجل المفرط، والاشتراك في النشاطات الاجتماعيّة أو أعمال تطوعيّة، أو حضور وُرَش وندوات ثقافيّة، ودينيّة، كل ذلك يسهم في انخراط الأولاد في المجتمع، وتقلّص تلك الظاهرة، لا يوجد إنسان كامل، فالجميع يمتلكون سلبيّات ونقاط ضعف، فلا داعي للخجل، ومن الأفضل مواجهة السلبيّات وتطويرها.