رياض الزهراء العدد 160 الحشد المقدس
سَماءٌ وَدَواءٌ.. حَشدُ العَقيدةِ في عَينِ اللهِ
كان كلّ شيء بلا لون حتى أتت تلك اللحظة الحاسمة، أو هو اليوم الحاسم، آيات واضحات من التضحية والفداء، تجسّدت كلّ معاني الإيثار في صور أولئك الفتية الذين تأهّبوا لقطف ثمار العقيدة الحقيقيّة والدفاع عن أرض القداسة، قرّروا أن يفرشوا الدرب بالورود من أجل عيشة كريمة لأحبّائهم، فضحّوا بأرواحهم الغالية، فكان الدفاع الكفائي عُرسهم وحجّهم ومعنى حياتهم بلا تململ منهم ولا ضعف، فقد كان النصر أمنيّتهم ومقتضى حلمهم الورديّ، ولم تكن تلك أمنيّتهم الوحيدة بل هناك أمنيات أخرى. نعم أمنيات تغازل أجفانهم التي أراحوها تارة بالتطّلع إلى مستقبل زاهر لأحبّتهم، وتارة أخرى إلى الكمّ الهائل من المسؤوليّة التي تحمّلوها في سبيل هذه الراحة العجيبة، ديدنهم التأهّب والوجد، مع مخيّلة خصبة ثريّة بأفعال العظماء، لم يكونوا خالي الوفاض، بل كانوا يرسمون المستقبل بريشة التحدّي والبطولة، حتى تنوّعت مفاخرهم، ونصعت جباههم، لا يفصلهم عن نيل الشهادة إلّا ليلة بضحاها، وبين أمنيّاتهم وبين الشهادة لحظة واحدة ترتسم في ضحكة طفل من يتامى الشهداء الذين سبقوهم إلى جنّة المأوى، عجيب أمرهم، فكلّما ارتحل أحدهم رأينا الآخر صريعاً في حبّ هذا الدرب قبل أن يكون مخضّباً بدمائه، وبين رحلة وأخرى كان العزم تلو العزم والهمّة إثر الهمّة في بناء طود كطود رجال الحشد، بل كلّ رجل منهم هو طود شامخ بعقيدة راسخة لا يعتريها الشكّ أو الخمول، ولا تتبدّل إطلاقاً، لم تنغمس أرواحهم في مغريات الدنيا الفانية، ولا يزال ارتقاؤهم يخطو بنا نحو العلياء، فهم دواء لأوجاع الزمن، وسماء عالية يطيل الأحرار النظر إليها، يتمنّون بكلّ شغف المجد الذي وصلوا إليه، والسؤدد الذي شروه بدمائهم الزكيّة. عجباً! فهل بعد هذا الفخر فخر تليد؟ أو مجد جديد لم ينالوه؟ لكلّ شهيد قصّة حبّ مع الشهادة وكأنّهم كانوا توّاقين إلى تلك اللحظة، هي فراق بالنسبة إلينا، لكنّها تعني لهم بداية السعادة، وبداية الوفادة على ربّ كريم رحيم، لذلك تهلّلت وجوههم فرحاً للقاء المعبود الذي يجري كلّ شيء بإمره وهم في عينه.