رياض الزهراء العدد 160 جائحة كورونا
صَدمَةُ المُجتَمَعاتِ المُزدَوَجَةُ
هدّد فيروس (كورونا) الحياة بكلّ أشكالها، وقَلَب موازين الأمور، وغيّر أنماط العيش، وبانت آثاره الصحيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في جميع دول المعمورة، وتلقّى المجتمع صدمة مزدوجة إثر انخفاضيْن متوازيين في التأثير رغم اختلافهما، أولهما الانخفاض الحادّ في أسعار النفط بعد التراجع الهائل في الطلب من جرّاء توقّف عجلة الاقتصاد العالميّ عن الدوران، الذي دمّر الاقتصاديّات، ورفع عدد البطالة، وسرّح مئات الموظّفين، وكان دون توقّعات الاقتصاديين والمحلّلين. أمّا الثاني الذي ظهر على السطح بشكل جلي ومؤلم، فهو الانخفاض الكبير في الرحمة والصبر والتأنّي والتسامح، الذي أصاب المجتمعات بصدمات معنويّة وأخلاقية، وضرب في عمق الإنسانيّة، فقد سُمّي الإنسان بالإنسان لتمتّعه بهذه الصفات وحفاظه عليهنّ من التشويه والانحدار. هناك شخص دَمِث الأخلاق، حلو المعشر، لفت انتباهي وأثار استغرابي حين قال: تضاعفت مشاجراتي مع زوجتي وأولادي ما بين ثلاث إلى أربع مرّات في اليوم، وأجاب عند سؤاله: قبل حظر التجوال كيف كانت علاقتكَ معهم؟ كانت مشاكلنا قليلة جداً. أصوات الصياح والصُراخ بين الزوجين والأطفال، والمشادّات الكلاميّة، بات الكثير يشكو منها بعد الجلوس الإجباريّ في البيت، وتعدّت إلى العنف المفرط أو الطلاق، وأسبابها الغالبة انقطاع الأرزاق من المِهَن البسيطة أو التسريح من الوظائف، والخوف الذي ينتاب الموظّفين المستمرّين في عملهم من انقطاع رواتبهم، أو خصم جزء منها لا يقلّ تأثيره عن الآخرين، وما يسبّبه من نظرة سوداويّة إلى المستقبل ينعكس سلباً على تصرّفات الزوجة والزوج على حدّ سواء، إضافة إلى الشعور بالملل والإحساس بالفراغ بسبب قضاء وقت طويل في البيت معاً، ممّا دفع بعض الأزواج إلى التدخل في الشؤون المنزليّة وفرض الرأي بعد أن كانت الزوجة هي القائد، أو فتح ملفّات قديمة من مشاكل ومواقف مؤلمة طواها الزمن لزحمة الحياة ومشاغلها. إنّ الإيمان الراسخ بالارتقاء الأخلاقي ورقي الأفكار، والترفّع عن سفاسف الأمور هي مَن تجعل الإنسان قادراً على أن يتلافى الصراعات الصغيرة، ويرى عن طريق عدسته المكبّرة التي يلقيها على تقييم الأحداث والتصرفات سفاسف الأمور، وينأى عن زلّات اللسان التي تجرح ولا تداوي، ويُحصّن نفسه من الغضب غير المبرّر لأمور تافهة يقضي فيها ساعات من القهر والكلام والعتب وحرقة الدم. ونجد في الجانب الآخر هناك مَن يوكلون أمرهم لله إيماناً منهم بقضاء الله وقدره ولطفه ورحمته، متمسّكين بمناسيب الرحمة والمودة خوفاً من أن تنخفض، فقضوا شهوراً داخل منازلهم وسط عائلة متعاونة متحابّة متفاهمة، يتحاورون ويتناقشون في أمور الحياة، والجوانب السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية والطبّية مع احترام الرأي والرأي الآخر، وإعطاء كلّ فرد حقّ إبداء الرأي بصدق وعفوية، وتبادل النكات والمزاح مع حفظ المقامات.