رياض الزهراء العدد 160 منكم وإليكم
أَنينُ المَلَائِكَةِ
هناك حيث الخيمة الصغيرة فيها صراخٌ وعويل أطفال ونسوة .. وبينهم رضيع يصرخُ وقد بُحَّ صوتهُ من شدّةِ البُكاء والعَطش ما العمل ..؟ ولا توجد قطرةُ ماءٍ ؟ جاءوا بهِ إلى أبيه، فتقدّم بهِ نحو قومٍ أجلاف، صُمّت أسماعهم وقلوبهم عن الحقّ فرفعهُ ليعانقه ويُقّبِل شَفتيه الذابلتين طالباً لهُ الماء عسى أن يرحموا حاله وهو يتلظّى عطشاً لكن سقوهُ سهماً حال بينه وبين الحياة، فراح يفحصُ رُغام الموتِ بقدميه، ويسبح في مسرب الدم البريء أبٌ مفجوع .. وقد سالت بين يديه دماء طفلٍ رضيع يناغي السماء، ويملأ أحضان أبيه بالبِشر والابتسامة راح الأب يجمع الدم بكفّيه ويرفعه شاكياً إلى الله ، باعثاً به إلى السماء.. هكذا بدأ كلُّ شيءٍ واجماً تلفّهُ الوحشةُ وسُحُبُ المأساة تنجمع في آفاق السماء الكئيبة، وصيحات العطش والرعب تتعالى، وتنبعث من حناجر النساء والأطفال. أُمٌ تُوَدِّعُ طِفلها.... يا لَلأسى، آهٍ يا لله من عُظم البلاء! غادرها كالدرّة البيضاء، وعاد إليها كالياقوتة الحمراء وكأنّي بها مرّةً تُسائِلُ المَهدَ بحسرةٍ أتُرى ينامُ عَلِيُّنا فوقَ العراء؟ أيُسقى الطِّفلُ الرَّضيع لأنَّهُ قَد كان عطشانَ بكأسٍ من دماء ؟ ومرّةً أُخرى تناديه بصوتها الرخيم ولدي غبتَ عنّي فغاب وجهكَ الباسم عن عيني وتركتَ هموم الحياة على رأسي.. فمزقت كبدي ..وقطّعتَ نياط قلبي نظرتُ من أعماق حزني فرأيتُ جسمكَ النحيف ووجهكَ اللطيف وثغركَ يبتسم لي في طيف الخيال ... فبكيتُ وصرختُ يا ولدي ....يا ولدي ! آهٍ...آهٍ ...يا ولدي لقد اشتقتُ إليكَ ولدي تذكّرت في الصباح حين أفتح عيني لأراكَ فلا أرى غير ناقتي السوداء وإذا ناغيتك لا أسمع إلّا صوت قوم لعناء وفي الليل أمشي بين الخيام مفتّشة وسائلة: أيّتها النسوة هل رأيتنَّ ولدي ؟! ربّاه أشكو إليكَ عظيمَ مُصيبتي، من أينَ جاءت كربلاء؟! آهٍ يا ولدي ..آهٍ يا قرّة عيني ..آهٍ يا ثمرة فؤادي لقد درّ اللبن يا ولدي وأنا أعلمُ أنّكَ ظمآن تعال يا ولدي لأرويكَ .. بقيت ترنو مُدلَلها الصغيرَ بنظرةٍ فُجِعَت لأدمُعها ملائكَةُ السَّمَاء