رياض الزهراء العدد 160 منكم وإليكم
سَاقِي عَطَاشَى كَربَلاءَ
من المعروف أنّ لفظ (الساقي) يُطلق على مَن يقدّم الشراب، والسَّقَّاء: حرفة لمَن يحمل الماء إلى المنازل أو المساجد، والسِّقاء وعاء من جلد يُستعمل للماء واللبن. وكَثُر في دعائنا لفظ السُقْيا، وقول العرب: (سُقْيَا رَحْمَةٍ، ولا سُقْيا عذاب)، معناه: اسقنا غيثاً فيه نفع بلا ضرر، وكثرت التعريفات لمعنى السقَاية، فذهب أحمد بن فارس (ت 395 هـ) إلى القول: "السين والقاف والحرف المعتلّ أصل واحد، وهو إشراب الشيء الماء، وما أشبهه، و كم سَقْي أرضكَ: أي حظُّها من الشرب"(1). والإسقاء أبلغ من السَّقي، والسقاية هو الموضع الذي يُتّخذ لِسقي الناس، وهو من المناصب التي كانت تقع على عاتق قريش؛ لأنّ مكّة كانت تعاني من قلّة المياه، إلى أن اكتُشِفت بئر (زمزم). فأصبحت السقاية من الأمور المهمّة لإسقاء الحجيج، والتجّار الوافدين إلى مكّة، وقد ذُكر مصطلح (السّقي) في القرآن الكريم في أكثر من موضع (2). منه قوله تعالى في سورة يوسف: (فلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)/(يوسف، الآية: 70)، فالسقاية: المشربة أو الإناء الذي يشرب فيه الملك، ويُكال به الطعام، ويقال: إنَّ الصَّواع والسقاية سواء، وجعله يوسف(عليه السلام) في متاع أخيه بنيامين، ومنه اتهموا أنّهم سارقون، وهو الموسوم بـ ( صواع الملك)، وسُمّي بـ (صواع) لأنّه يُكال به. وانفرد مولانا العبّاس(عليه السلام) بهذا اللقب، ويُحكى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) دعا ولده العبّاس بن عليّ(عليه السلام)، وضمَّه إليه، وأخذ عليه العهد إذا ملك الماء يوم الطفّ أن لا يتذوّق منه قطرة والإمام الحسين(عليه السلام) عطشان، وفي يوم عاشوراء نفض الماء من يده للوصيّة التي أوصاها أمير المؤمنين(عليه السلام). هذا مِن الشّرعِ يَرى فِعلتَهُ ومِن صِراطِ أحمَدَ مَا ارتَكَبَا وَمِثلُه الحُسيِنُ لَمّا مَلكَ المَاءَ فَقِيلَ رَحلُه قَد نُهِبَا أمَّ الخِيامَ نَافِضاً لِمضائهِ إذ عَظُمَ الأمرُ بِهِ واعَصوصبَا فَكانَ للعَبّاس فِيهِ أُسوةٌ إذ فَاضَ شَهماً غَيرَ مَفلُولِ الشِبَا(3) أنشد الشاعر محمّد مهديّ الجواهريّ في ذكرى استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) عام 1947 قائلاً: ورَعيَاً ليومِكَ يوم الطُفوف وسَقيَاً لأرضِكَ مِن مَصْرعِ وقد نُقِل عن الإمام السجّاد(عليه السلام) أنّ منزلة عمّه العبّاس(عليه السلام) تساوت مع منزلة عمّه الطيّار قائلاً: "رَحِم الله عمّي العبّاس بن عليّ، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله الله(سبحانه وتعالى) جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جُعل لجعفر بن أبي طالب... وإنّ للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة"(4). فسلام عليكَ مولاي يوم وُلدتَ، ويوم استُشهدتَ ويوم تبعث حيّاً. .................................. (1) مقاييس اللغة: ج3، ص84. (2) (إذ تكرّر أربع عشرة مرة باختلاف الصِيغ التصريفيّة للجذر اللغويّ المجرّد (سقى)، وفي اثني عشر موضعاً للجذر اللغويّ المزيد (استقى)، ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: ص433. (3) النقد النزيه: ج1، ص100. (4) الأمالي للصدوق: ص 548.