قَافِلَةُ الأَحزَانِ

سهى البهادلي/ بغداد
عدد المشاهدات : 214

انقضى العاشر من المحرّم، ولم يبقَ سوى النساء والأطفال، رماد الخيام وصراخ الأيتام، وحرائر المصطفى بلا محامٍ ولا مُعين، يتصفّح وجوههنّ الأعداء وليس معهنّ سوى عليل أجهده المرض، وها هو ليل الحادي عشر قد جنّ، وبدأت الوحشة تخيّم على عيال أبي عبدالله(عليه السلام)، قامت أمّ المصائب زينب(عليها السلام) بجمع الأيتام والنساء من حولِها، وأخذت توصيهُنّ بأن لا تترك إحداهنّ الأخرى إذا أسرهُنَّ الأعداء، وما هي إلّا سويعات قصيرة حتى بزغت شمسُ الحادي عَشر، يومٌ جديدٌ مِن المآسي والألم يُقبل على نساء بني هاشم، هذه النُوق الهُزّل قد جُهزّت وتنتظر نَظم الرَكب كي ينتقلوا إلى الكوفة، وأخيراً اكتمل موكب الحُزن، وحان وقت الرحيل، نياق هُزّل وعليلٌ مقيّدٌ وأطفالٌ تصرخ من لظى العطش، ونساء من دون هوادج، هكذا كان حال نساء الحسين(عليه السلام) حين السبي؛ وزينب(عليها السلام) تنظر إليهم بقلب دامٍ لكن ليس باليدِ حيلة، سار الركب بقيادة رؤوس بني هاشم أسود آل عبد المطلب، وها هو رأس الحسين(عليه السلام) كالشمس في كبد السماء يتقدّم الرؤوس كعادته كأنّه يتفقّد حال أخته الحوراء(عليها السلام)، ومعه ثلّة من كواكب الطالبيّين، بدورٌ تَعتلي أسنّة الرماح، يحرسون نجوماً تمتطي الهُزّل مقيّدين بحبال الغيّ، وبين تلكَ البدور يشعّ نور قمر بني هاشم، ها هو رأس الكافل الذي وفى بعهده يدور حول القافلة، رأسٌ مميّزٌ فوق الرماح لأنّ النَبلَّ ما يزال نابتاً في أمّ عينه. استمرّ المسير حتى وصلوا إلى الكوفة، فوجدوا الناس قد انقسموا سِماطين، فريق مع الحسين(عليه السلام) وآخر مع يزيد، اقتربت القافلة من قصر الإمارة، وبدأت الذكريات تُزاحم خَلَد أمّ المصائب، بالأمس دَخَلت الكوفة أميرة في خباء والدها أمير المؤمنين(عليه السلام)، واليوم سبيّة بيد العدى، فكيف لتلك الأميرة أن تتحمّل أرزاء الأسر؟ وإذا بها تقف بين يدي ابن زياد وهو يسألها بِكُلّ وقاحة: هل أنتِ زينب بنت عليّ؟ يسألها ذلك السفيه وكأنّه يجهل مقامها؟! لكنّها أفرغت عن لسان أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام) بكلام أخزاه، وما لبثوا في الكوفة إلّا يومين حتى قام ابن زياد بإرسالهم إلى الشام خوفاً من انقلاب الكوفيّين عليه، ها هي زينب(عليها السلام) تبدأ مسيرة جديدة، محمّلة بالغصص والرزايا وهي تتحمّل أعباء حماية عائلة كان أخوها الحسين(عليه السلام) قد أوصاها بهم، وهي الآن تؤدّي دور الكافل المحامي، والأمّ الحنون لعيال إخوتها وبني عمومتها. وصلت قافلة الحُزنِ إلى الشام من بعد مسير طويل، أوقفوهم عند (باب الساعات) حتى أعياهم التعب وشدّة السفر، ولكن الرزيّة العظمى والطامّة الكبرى هو وقوف الفاطميّات في مجلس يزيد، وهو ينكث ثنايا الحسين(عليه السلام) أمام النسوة محاولاً إحباط عزيمة جبل الصبر زينب(عليها السلام) وما كان منها إلّا أن تَخطُب بتلكَ الخطبة المدوّية التي زلزلت عروش الطغاة، ولا تزال كلماتها ترنّ حتى يومنا هذا: والله لن تمحو ذكرنا..