المُـراقُّ (تَوَهُّمُ المَرَضِ)

د. حوراء حيدر الجابريّ/ كليّة الإمام الكاظم(عليه السلام)
عدد المشاهدات : 327

إنّ عناية الفرد بنفسه، واهتمامه بالأمور الصحيّة أمر طبيعيّ عند معظم الناس، وهذه العناية في الحدود المعقولة تجنّب الفرد التعرّض للأمراض, أمّا إذا ازدادت عن الحدود الطبيعيّة فإنّها تُنذر بالاستعداد إلى الاتجاه نحو المرض، وعندما يُصبح اهتمام الفرد بجسمه شغلاً شاغلاً له، فإنّ الحالة تُصبح مرضاً وسواسياً، وهذا الوسواس المرضيّ يعرف بـ (المراق) ويعني توهّم المرض، وهو أحد الاضطرابات النفسيّة التي تجعل المُصاب ينشغل بشكل مفرط بصحّته، ويكون لديه قلق متزايد بشأن إصابته بالأمراض, وعرّفته منظّمة الصحّة العالميّة بأنّه: (انشغال دائم بوجود اضطراب جسميّ خطير، يتطوّر ويتحوّل إلى شكوى جسديّة ملحّة، أو اهتمام زائد بالمظهر البدني يتضمّن إحساسات وعلاقات بدنية يفسّرها الشخص بأنّها غير طبيعيّة، وعادة ما يتركّز انتباه الشخص في عضو أو عضويْن من أعضاء الجسم). فالمريض يشكّك في الأطبّاء، ولهذا يبقى يراجع الأطبّاء بحثاً عن طبيب يقول له بأنّه مصاب بالمرض الذي يشكو منه, فمثلاً يتوهّم بأنّه مصاب بأمراض خبيثة، فيركّز اهتمامه على ما يُنشر، وما يُقال عنها, والبحث عن طرق جديدة لعلاج أمراضه الوهميّة، وتمتلئ خِزانة الدواء عنده بالأدوية, وهذا الأمر يسبّب له الإجهاد والتعب الجسديّ, لأنّ صراعاته النفسيّة تستهلك جزءاً كبيراً من طاقاته، فهو يستيقظ في الصباح شاعراً بالإجهاد. ويتّسم بأنّه شخصية متمركزة حول ذاتها، ويفضّل العزلة ويملأ وقت فراغه بالأنشطة التي يزاولها بمفرده، ولديه قلق غير محدّد المصدر وهو ما يزعجه, لذا ينقل القلق إلى موضوع محدّد وهو صحّته الجسميّة، ويجعل من بدنه بؤرة لاهتماماته ومشاعره وقلقه؛ لأنّ هذه الأفكار تتيح له أن يجسّد مصدر القلق، وهو قلق مبالغ فيه ولا مسوّغ له؛ لأنّ لا وجود لما يبرّره عضوياً ممّا يجعل الأطباء والاختصاصيين النفسيين في حيرة من أمرهم حيال هؤلاء الذين يعانون ويتألمون فعلياً مع سلامتهم الجسميّة. ويرى بعض الأطبّاء النفسيّين أنّ سبب حدوث المرض وراثي، إذ ينشأ المرض من أسرة فيها المرض، ويمكن أن يكون مكتسباً من الوالدين، ويعود سببه بصفة عامّة إلى اجتماع عوامل عديدة، أهمّها: الضعف التكويني للعضو المصاب, ووجود بعض الأمراض في هذا العضو سابقاً, وكمّية الضغوط النفسيّة والبيئيّة على الفرد وأنواعها, ويمكن أن يكون مهرباً من ظروف مؤلمة ومتعبة، ويعدّ سبباً للتهرّب من اتخاذ القرارات الصعبة، أو بسبب وجود تهديد شخصي لا شعوري، أو الشعور بدنوّ الأجل مثلما في الشيخوخة، أو الخوف من فقدان الحبّ، أو انهيار الدفاعات النفسية، بحيث يكون محطّة نفسيّة للتكيّف اللاشعوريّ، فالآلام العضليّة, والاضطرابات المعويّة, والاهتمام بدقّات القلب وعمله وحركة التنفّس وغيرها، كلّ ذلك يخدم أغراضاً تكيفيّة دفاعيّة تنقل حالة الصراع الباطني إلى شكاوى جسميّة، ويحدث المراق في مرحلة الشباب أو منتصف العمر، ويكثر عند النساء، في حين تشير آخر الدراسات إلى أنّه يحدث لدى الجنسيْن. أمّا أساليب العلاج فهي: الاستفادة من البرامج الصحيّة والإرشاد النفسيّ، والمشاركة في الأنشطة المختلفة في المجتمع والعائلة والعمل على تخفيف القلق، وتجنُّب استخدام الإنترنت للبحث عن الأمراض، وتحدِّي أفكار توهُّم المرض، ويمكن ذلك بتوضيح المخاوف الصحيّة وكتابتها على ورقة، ويتمّ بالمقابل تسجيل أكثر الأسباب المنطقيّة لحدوث هذه المخاوف، واتّباع تمارين الاسترخاء.