عَريسُ السَّماءِ
كشَّر اللَّيلُ عن أنيابهِ وجاءَ الصَّباحُ مطأطِئ الرّأسِ.... ومعه الشَّمس تجرُّ بأذيالِها، حرٌّ شديد، كلّ شيءٍ.... هامدٌ كأنّما ينتظرُ قدراً غامضاً.... ألقتْ الأشجارُ رؤوسَها على جذوعِها يائسةً.... القاسمُ يتهيّأ للنزال.... وقف يتزوّدُ من والدتهِ.... انتثرتْ الدّموعُ...... شمعةٌ..... شمعةٌ..... ستنطفئ السَّنوات..... ويلفُّها الخريف...... فلا ترى سوى ظلامٍ كثيف، وليلٍ عميق، الموتُ يمشي حافياً، والذُّعر بلا قدمين، لا صوتَ غيرَ صوتِ الوداع، والأولياء غرقوا في بكاءٍ صامت وهم يرونَ عريس السَّماء يطأ أرض المنيّة، كأنّه مصباحٌ لاحَ في الأفقِ، وهو يرتجزُ ويقول: إن تُنكروني فأنا نجل الحسن سبط النبيّ المصطفى والمؤتمن هذا حسينٌ كالأسير المرتهن بين أناسٍ لا سُقُوا صوبَ المُزُن(1) فعندها لمْ يعدْ صوتُ الحسين(عليه السلام) مسموعاً، ذئابٌ نسلتْ من كلّ صوب، وتسرَّبت من كلّ جهة، ففرّوا بين يديه كالجرادِ المنتشر، وما هي إلّا ساعةٌ وإذا بنداءِ القاسمِ يصمُّ مسامعَ الكونِ بـ "عليك منّي السَّلام يا عمّ يا أبا عبد الله"، وصل وبأيّ حالٍ سيرى شبل الحسنِ(عليه السلام)؟ كأنَّه قنديلٌ سقطَ من حجرِ السَّماء، مضرَّجاً بالدِماء، لبِسَ بردة صبره، وحمل العريس على كتفهِ وهو يردِّد قول: (إنّا لله وإنَّا إليهِ راجعُون). سيّدي: بينَ الحلمِ والحقيقةِ قصَّةٌ لمْ يروِها الزَّمن، طُرِّزت أحرفُها على وجهِ كربلاء، ودوَّنها التأريخُ بالدِّماء، ولكن سيبقى حلمُ زفافكَ أمنيّةً في قلبِ امرأةٍ أُطفئتْ شموعُها وامتزجتْ الحِنّاء بالدماءِ، كنتَ ولا تزال وستبقى عريس السَّماء. ................... (1) فاجعة الطفّ: ج1، ص23.