إِلى أَين..؟
دخان متراكم.. صـوت عـواء لوحـوش يخـتلط بالصـراخ، يـزداد قرباً.. متحرّكاً بسرعة الريح المظلمـة نحـوهم، لا عجـب أن يحلّ الظلام سريعًا هكذا بعد أن كُسِفت الشمس! ســحائب الغبــار الكثيــف تكتســح المكــان، ومنــادٍ ينادي: أحرقـــوا بيـــوت الظـــالمين..! أحرقـــوا بيـــوت الظالمين..! ومن زاويــة مــن مضــارب الخيــام المســجّرة تفــرّ طفلة صغيرة، تركض، تصـرخ فزعـة هلعـة كبـاقي الصـغار والنسـوة، وتصيح من ألم حرق الرمـال لأقـدامها الطريـّة، ووخز الحسك الذي يشبه ظهور قنافذَ مدبّبة حـادّة الإبر، تجفل في أثناء جريها من الوجع، تجـري علـى غيـر هــدى فقــد ترامــت أمامهــا شراســة العــدوّ، وأضــحت الصحراء غابة حالكـة مـن التشـتّت، تتعثّر وتسـقط، تتعثّر ثم تسـقط وإذا بجذبـة قويّة، تـأرجح عقلهـا بين اليقظة وبين كـابوس مرعـب يكـرّر الموقـف المحيـّر ألف مرّة، إنّه أحد الرماديين! يوقفها، يشّل حركتها، ينظـر إليهـا فيفيض الخـوف من عينيها الدامعتين، يبدو كوحش تنمـو أطرافـه علـى عجل، ثم لا يلبـث أن ينحنـي بالقرب منهـا، تجفـل مـرّة أخرى من ألم آخر، فتبتعد متوثّبـة إلـى الـوراء خطـوة، يقتـرب أكثـر غيـر مكتـرث، فتـرتعش، وتهتـزّ كسـعف نخلة تعبث بها الريح، مطبقة جفنيها بشدّة ككفّ طفـل قابض على ثوب أمّه، بينما هو يمـدّ كفّه الآثمـة نحـو كاحلها، يحاول نزع خلخالها وهو يبكي! ترفـع أهـدابها المبللة قلـيلًا ثـم تخفضها سـريعًا، تنطـق كلماتها بصوت رقيق مذعور، تسأله سؤالًا سيحيّر كـلّ مَـن سيقرأ لاحقاً عمّا حدث في كربلاء، الطفلة لا تتوسّل إليه، بل تسأل عن حاله! أتُراها نبضات ابن أبي طالب الرحيمة تدقّ في فؤادها! أم أنّهـا أرادت أن تسـمع نداء ضـميره بصــوت عـالٍ إن كـان لا يزال هـذا المخلـوق يمتلك بقايـا مـن الضمير.. -: لماذا تبكي؟ قال الظالم ودموع صامتة بدأت تقطر من لحيته اللعينة: أبكي لأنّي أسرق ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)! كأنّها اطمأنّت قليلًا لذكر رسـول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهـي لا تـزال تقبض بكلتا راحتيها القريبتين من قلبها الذي ضَمُر قائلةً: إذن دعني! لكنّ الظالم ينجح في أخذ الخلخال بعد أن ترك ثقباً طينيّاً صغيرًا قرب قدمها معلّلاً: إن لم آخذه فسيأخذه غيري..!