جُذُورُ الألَمِ وَحَنينُ الذِّكرى

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 408

لا أزالُ أراكِ أيّتها الحاضرة بين همسات الشوق ورجفات الحنين تُضيئين شموع الوحشة بعد الغروب على قبّتكِ المنكوبة لا أزالُ أراكِ يا مدينتي الحزينة وَجِلة في محرابكِ خاشعة، لربّكِ خاضعة تناجين، تنادين: واإسلاماه، وامحمّداه، وامنقذاه كلّ الأشياء فيكِ هنا أراها تئنّ بالذكرى فالسماء فيكِ كئيبة، ولياليكِ موحشة، وأُمسياتكِ ثكلى، وقمركِ مكدّر والأرض غريبة، دبّ فيها الخوف، كلّ مَن عليها في سكون هل تُدركين يا سامراء أنّك لا تزالين في شهر محرّم؟ لم تغادري ألم تلك الكارثة، لا تزالين في ذكرى تفجير قبّة العسكريين(عليهما السلام) ذاك الألم الذي تلاحقه دقّات قلب الزمن لاهثة الأنفاس وتعانقه عقارب الساعة متقطّعة الآهات بالدموع ألم ذكرى تدقّ رسالاته على شرفاتكِ، فتساقطت متهاوية على العتبات ألم بعثركِ، أرجعكِ إلى ماضٍ بات رفاتاً كلّما أوشكتِ على إسدال الستار على خاتمة تلك الأحزان أراكِ تعودين من جديد إلى بداية تلك الجراح وها نحن أيتام لأنّنا بقينا وحيدين على أرصفة الغياب، نراقب غروبكِ كلّ يوم نتنهّد حسرة، نبكي اللحظات التي مرّت من دون أن يكون صاحب الأمر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) فيها، مدينتي الجريحة! اعلمي أنّ جرحكِ القديم لا يزال يستعر في أنفاسنا، والفكر منّا بات سقيماً يلهث من شدّة التعب، وعزم الفكر أخذ ينهار، وقد قيّد منّا الروح والجسد وما من كلمات ترفق بنا أو ترفع منّا العتب فبتنا لا نرى أملاً في غدٍ آتٍ ولا نجاةً لكنّكِ سامراء.. مرقد العسكريّين(عليهما السلام) قلب الحياة النابض وبوّابة مجد وشموخ على الرغم من أنّ أيادي الحقد كلّها لأجلكِ اجتمعت وزرعتْ بذور السمّ لتنمو فيكِ وتشقينا؛ لكنّكِ طالما نهضتِ من جديد متوّجة بالنصر وضاربة بيدٍ من حديد ومضت تلك الأيام الثقال لتغدو بيوتكِ زاهية، وأقمار أنسنا عادت تدور مجدّداً حولكِ وشمس نهاركِ تزهو اليوم ببريق القبّة الذهبيّة وتفتخر ضفائر الأيام بعد رماد وحريق، إنّها تفتح أبواب الضريح المقدّس أمام العاشقين المصطفّين على جانبي الطريق، وعادت مواكب المؤمنين وهي مستبشرة بكِ تجول شوارعكِ الفرحة، وعاد لمعان نجوم الحالمين على النائمين على وسائد الشوق والحنين فلا شيء يضاهي حضوركِ البهيّ، ولا شيء يشبهكِ يا سليلة أرض الطيّبين