الإِمَامةُ مَنصِبٌ لا يُغصَبُ
الإمامةُ في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) منصبٌ إلهيّ مثل النبوّة، فإنَّ أيّ شخصٍ مهما بلغ من النفوذ لا يُمكنه أنْ ينتزعَ رداء النبوّة من النبيّ ويرتديه ليُصبِح نبيًّا، وكذلك الإمامة، فقد رُوي عن الإمام الرضا(عليه السلام): "إنَّ الإمامة أجلُّ قدرًا، وأعظمُ شأنًا، وأعلى مكانًا، وأمنع جانبًا، وأبعد غورًا من أنْ يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يُقيموا إمامًا باختيارهم"(1)، نعم، نُحيّت عنهم(عليهم السلام) الخلافة السياسية؛ لأنَّ الأمّة لم تطعهم ولم تقم بالواجب عليها في ذلك، لا لأنّهم(عليهم السلام) فقدوا الإمامة أو غُصبت منهم. أمّا كونها منصبًا إلهيًا فقد دلّت عليه العديد من الأدلة، منها قوله: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)/(البقرة، الآية: 124)، فقد جاءت كلمة (عهدي) فاعلًا، و(الظالمين) مفعولًا به، أي أنّ الإمامة هي التي تنال الناس، لا أنَّ الناس هم الذين ينالونها. أضف إلى ذلك أنّه(سبحانه وتعالى) عبّر عن الإمامة بالعهد ونسبه إلى نفسه، وبذا تبطل نظرية الشورى في تنصيب الإمام جملةً وتفصيلًا، إذ إنّ عهد الإمامة عهد الله(سبحانه وتعالى) يضعه حيث يشاء. وبما أنَّ الإمامةَ امتدادٌ للنبوّة، فللإمام أدوارٌ هي ذاتها أدوار النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ما خلا تلقّي الوحي الرساليّ، وهذه الأدوار لا يؤدّيها سواهم (عليهم السلام) وإن ادّعوا إمرة المؤمنين!، وكتب التاريخ تشهد على ذلك، وهي: أولًا: الدور التشريعيّ، ويتجلّى بوضوح في حديث الثقلين(2)، الذي عدل وساوى بين القرآن الكريم وأهل البيت(عليهم السلام) وقد اشتمل الأول على كلٍّ من: الجانب العقائديّ، والأخلاقيّ، والفقهيّ، والعلميّ، واللغويّ الإعجازي. فأهل البيت(عليهم السلام) وهم عدله، محيطون بكلّ تلك الجوانب، بل يؤدّون دورين مهمّين بشأنها: دور البيان: أي بيانها للناس، ودور الحفظ: أي حفظ القرآن الكريم، وصون الشريعة من الانحراف. ثانيًا: الدور التكوينيّ: ويُقصد به: (أنّ نفس الولي بما لها من الكمال متصرّفة في اُمور التكوين بإذن الله(سبحانه وتعالى) لا على نحو الاستقلال(3)، وقد أثبته الله(سبحانه وتعالى) للأنبياء(عليهم السلام)، بل لسواهم كالذي تمكّن من إحضار عرش بلقيس من سبأ إلى سليمان، قال(سبحانه وتعالى):(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)/(النمل الآية:40)، فإذا ثبت هذا الدور لمـَن لم يكُ عنده إلّا علمٌ (من) الكتاب أي (بعضه)، فمن بابٍ أولى أنْ يثبت لمـَن عنده علم كلّ الكتاب، وهو الإمام عليّ(عليه السلام) في قوله(سبحانه وتعالى): (قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)/(الرعد، الآية: 43). ثالثًا: الدور السياسيّ، ويتلخّص بقيادة المجتمع الإنساني بشكلٍ يوصله إلى الكمال المطلق في تطبيق الحقّ والعدل على كافة أرجاء الأرض. وهو ما سيتحقّق في دولة الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، مثلما يشهد التاريخ على عدل الإمام عليّ(عليه السلام) على الرغم من عدم استقرار دولته آنذاك بسبب وجود المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين. رابعًا: الأسوة الحسنة، ومَن يكون تلك الأسوة سوى النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)؟ قال(سبحانه وتعالى): (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)/(الأحزاب، الآية: 21). هذا فضلًا عن أنَّ وجود الإمام في حدِّ ذاته أمانٌ لأهل الأرض مثلما النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فقد روي عنه(صلى الله عليه وآله وسلم): "أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمانٌ لأهل السماء"(4). ........................................... (1) عيون أخبار الرضا(عليه السلام): ج2، ص196. (2) صحيح سنن الترمذي: ج3، ص542. (3) اعتقاداتنا: ج9، ص1. (4) ينابيع المودّة :ج1، ص63.