رياض الزهراء العدد 159 أنوار قرآنية
سُورَةُ النُّورِ، نُورٌ عَلَى نُورٍ
سورة أنزلها الله(سبحانه وتعالى) وفرضها لما تحويه من آيات بيّنت معالم النور في التشريع الإسلامي ببيان الأحكام والآداب الخاصّة بالعفّة والطهارة الأخلاقية والسلوكية. ولسورة النور فضائل عديدة منها ما ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "مَن قرأ سورة النور أُعطِي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ مؤمن ومؤمنة فيما مضى وفيما بقي"(١). اُفتُتحت السورة بقوله تعالى: (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)/(النور، الآية: 1)؛ لتوضّح أهميتها الكبيرة في فرض الأحكام في آيات التذكرة. ثمّ شرعت السورة مباشرةً بذكر أحكام جلد الزناة، وتحريم زواج المؤمنين من الكافرين والزناة، وأحكام قذف المحصنات، وحكم مَن يرمي زوجته بالفاحشة، وما يستتبعه من أحكام الملاعنة، ووضع الشروط الصعبة لإثبات ذلك؛ لحماية النسيج الاجتماعيّ وعدم تفكّكه. ثمّ تعرّضت السورة إلى ذكر حادثة الإفك وتبرئة عرض رسول الله(سبحانه وتعالى) من الدَنس، وذكرت عقاب مَن يحبّ أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، فكيف بمَن يشيعها؟ وما أكثرهم في وقتنا الحاضر. وحذّرت من اتّباع خطوات الشيطان، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الآفات الأخلاقية المنعكسة على سلوك الفرد لم تأتِ دفعة واحدة، وإنّما بالتدريج وعلى مراحل تبعًا للظروف الاجتماعيّة، والنفسيّة، وغيرها، ووصفها القرآن الكريم بأروع وصف عبر قوله تعالى: (خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)/(البقرة، الآية: 168)، أي إنّ الشيطان يخطو بالفرد نحو الخطايا تدريجياً، وليس دفعيًا، من باب تزيين الخطأ وخلط الأوراق، إضافةً إلى عوامل اجتماعيّة مساعدة أخرى، ولهذا يمكننا أن نوقف التدهور الأخلاقي منذ بداية تأثيره في الفرد قبل أن يصل إلى مرحلة الانحدار الأخلاقي بقوة الإيمان - مفهومًا وسلوكًا- التي من شأنها أن تصدّ خطوات الشيطان تلك. مثلما أشارت السورة إلى عقوبة رمي المحصنات الغافلات المؤمنات في تأكيد القرآن الكريم على عدم هتك حرمة المؤمنات وأعراضهنّ من دون دليل بوضع شروط صعبة جداً؛ لتأكيد الاتهام. مثلما قنّنت السورة آداب الاستئذان، وحثّت على غضّ البصر، وحفظ الفرج، وتعرّضت إلى أحكام الحجاب، والتأكيد على سنّة التزويج، والعفّة عند عدم القدرة على الزواج، وعدم إكراه الفتيات على البغاء، كل ذلك للتأكيد على السلوك الأخلاقي الملتزم في مجتمعنا الإسلامي والسعي إليه. والآية: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ..)/(النور، الآية: 35)، هي آية النور، ومنها أخذت السورة اسمها، وقد تعدّدت الآراء في النور، فقيل: أي أنّ الله(سبحانه وتعالى) هادي أهل السماوات والأرض، وقيل: أي أنّه منوّر السماوات والأرض بالشمس، والقمر، والنجوم، وقيل: هو الإيمان، وقيل الهداية، وقيل: القرآن، وقيل: الإسلام، وقيل: إنّه ذات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: الأئمة المعصومون، وقيل: هو العلم والمعرفة، وعمومًا فكلّ المصاديق المذكورة نور على نور. ثمّ بيّنت صفات المؤمنين والكافرين، ونِعم الله(سبحانه وتعالى) وقدرته وبديع خلقه، وذكرت البيوت التي أذن الله(سبحانه وتعالى) لها أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وبيّنت صفات تلك البيوت، وصفات رجالها، وذكرت التفاسير أنّ تلك البيوت هي بيوت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطاهرين(عليهم السلام) والأنبياء(عليهم السلام). وحثّت على طاعة الله(سبحانه وتعالى) ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ووعد الله(سبحانه وتعالى) لاستخلاف المؤمنين الأرض، وآداب الاستئذان، وأكّدت على طاعة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، واحترامه في الخطاب واحترام أوامره حين يدعو للاجتماع لأمر ما، ثمّ ختمت السورة بأنّ لله(سبحانه وتعالى) ما في السموات والأرض. و بلحاظ ما تقدّم فإنّ سورة النور تتضمّن كلّ معاني النور في كلّ مفاصل حياتنا الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية؛ لأنّ النور لا يفارق قلب المؤمن، وينطلق نور ذلك الإيمان من قلبه إلى المجتمع ليحوّل ظلامه إلى نور بالسلوك والفعل عن طريق الالتزام بالأحكام والقوانين الإلهيّة. .................................. (1) مجمع البيان: ج٧، ص١٩٣.