رياض الزهراء العدد 159 تنمية البشرية
نُقطَةُ البِدَايَةِ
(النقطة)... كثيراً ما تطرق مسامعنا تلك الكلمة، أو قد نتلفّظ بها في أوقات متعدّدة من مسيرة حياتنا، قد تأتي بأشكال متغيّرة بحسب الحالة والموقف المصاحب لها، فتارة يُقال: تلك كانت نقطة إيجابية مضيئة في حياتي.. وفي موضع آخر يُقال: يا لها من نقطة سوداء مؤلمة لن أنساها ما حييتُ، وقد نُقشت في الذات وتجذّرت في الذهن. أيُّ شيءٍ غريب يحيط بما نتحدّث عنه؟ نعم.. النقطة تمرّ عليها العين مرور الكرام إن كانت بمفردها، ولا يُحسب لها أيّ حساب.. لكن يا لِأثرها البالغ إن قفزت فوق حرف.. أو هبطت تحت آخر..، كم تصبح مُهمّة إن اصطفّ العديد منها على يمين أيّ رقم كان، عندئذٍ سَتنقلبُ الأمور رأساً على عقب، إمّا أن تجمّل المعنى، أو تجعل البشاعة تلفّ كلّ أطرافه، هنا يجول في خاطري الكثير من المعاني ومنها تلك النقطة التي لا تمتُّ بصلة إلى الحروف أو الأرقام، وإنّما هي ملاصقة لمسيرة الحياة، وكيف يمكن للإنسان في مكان ما من هذه الأرض المترامية الأطراف أن تكون له نقطة بداية للانطلاق نحو الهدف الذي أوجده الله من أجله؟ وما أجمل أن يترك له بصمة مضيئة تُنير المكان من حوله، ولمَن يتلمّس طريقه في وسط هذا الظلام الأدهم، ولمَن يستجدي السُبل للنجاة والخلاص. في هذه اللحظات يحضرني قول لا يُقدّر بثمن للإمام موسى الكاظم(عليه السلام): "أبلغ خيراً، وقل خيراً ولاتكن إمّعة، يقول الراوي، قلتُ: وما الإمّعة ؟ قال(عليه السلام): لا تقل: أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس.."(1)، ما أجملها من وصيّة تجعل مَن يتمسّك بها شخصيّة إيجابية شديدة المراس في الحقّ، فما أحوجنا الآن إلى ترسيخ هذا المعنى في الأذهان، في خضّم السيل العارم من المُضي وفقاً للعقل الجمعيّ الذي لا يترك للإنسان مجالاً للاختيار حين ينصاع ويذعن له ومن ثمّ يكون العقل محجوباً عن التفكير بأبسط الأمور، ومنها أن يسأل الإنسان نفسه: لماذا أفعل هذا الشيء؟ ما الذي يجري؟ وعوضاً عن هذا يصبح إمّعة لا حول له ولا قوة كريشةٍ في مهبّ ريح عاتيةٍ لا أحد يعرف أينَ مرساها. هنا يجدر بنا أن نتوقّف لبرهة من الزمان، ونعيد ترتيب أفكارنا، وننظر بتمعّن لخطواتنا المستقبلية، وما هي النقطة التي نودّ أن نبدأ بها؟ وإلى أين المسير؟ فمن الضروري تحديد الهدف الذي نروم الذهاب إليه، والإمكانات المتاحة لدينا، وما الخبرات المتوافرة، ثمّ يأتي دور التقييم للوضع الحالي والقادم المنشود، وتقديم كلّ ما هو متاح لتجنّب الإخفاق، ومع هذا لا بدّ من أن نضع احتمال حدوث خلل ما في إحدى الخطوات وهو أمر صحّي، حيث إنّنا سنسلك طريقاً جديداً أفضل ممّا تحرّكنا عن طريقه. فإليكنّ الشعار الذي نرفعه وهو قول الإمام عليّ(عليه السلام): "كلّ متوقّع آتٍ"(2)، توقّعي الخير دائماً، وقرّري أن تكوني أنتِ نقطة البداية لكلّ خير.. واتركي بصمة إيجابية أينما حللتِ. ...................................... (1) ميزان الحكمة: ج10، ص 542. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص 252.