(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا..)(البقرة، الآية: 143)

إيمان صالح الطيّف
عدد المشاهدات : 326

الوسط في اللغة: وسط الشيء: ما بين طرفيه، والمعتدل من كلّ شيء، ومفهوم الوسطية: هي حالة خطابية أو سلوكية محمودة تعصم الفرد من الميل إلى جانبي الإفراط والتفريط. الأمّة الوسط: هي الأمّة المعتدلة التي تقف على خطّ الوسط، وتستطيع أن تراقب كلّ الخطوط الانحرافية المتّجهة نحو اليمين واليسار. فهي أمّة معتدلة في العقيدة لا تسلك طريق الغلوّ، ولا طريق التقصير والشرك، معتدلة في القِيم المادية والمعنوية، فلا تغطّ في عالم المادة وتنسى المعنويات ولا تغرق في المعنويات وتتناسى الماديات، ليست كمعظم اليهود الذين لا يفهمون سوى المادة، وليست كرهبان النصارى الذين يتركون الدنيا تماماً. إنّ المنهج الإسلامي في كلّ أبعاده يقوم على أساس التوازن والاعتدال، فلا يوجد أيّ تناقض بين الدين والدنيا، بل إنّ كلّاً منهما يخدم الآخر، وبمقدور الإنسان المسلم أن يكون رجل دين ورجل دنيا. رُوي عن أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام): "اليمين والشمال مضلّة والطريق الوسطى هي الجادّة"(1)، أي السبل المنحرفة يميناً وشمالاً تقود الإنسان إلى الضلال، فمثلاً المطلوب الوسطية في العلاقات الإنسانية بين التصلّب والليونة، فلا تكن ليناً فتُعصر ولا يابساً فتكسر، وبين الحبّ والبغض، فإذا أحببت فلا تفرط وإذا أبغضت فلا تشطط، فالوسطية هي الاعتدال في كلّ أمور الحياة من تصوّرات ومناهج ومواقف، قال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)/(القصص، الآية: ٧٧)، فالمراد من الوسط بالمعنى الأعمّ هو كلّ مَن التزم الوسط قولاً وعملاً، أمّا المراد من الوسط بالمعنى الأخصّ فهو لا يخرج عن حدود أئمة أهل البيت(عليهم السلام) مثلما ورد في أحاديثهم (عليهم السلام): "نحن الأمّة الوُسطى، ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه، نحن الشهداء على الناس، إلينا يرجع الغالي وبنا يلحق المقصّر"(2). إنّ كلّ ابتعاد عن النمط الوسط يولّد التصدّع والشرخ في كيان الأمّة، وكلّما كبر الشرخ كثرت الفتن وتفكّكت العرى والأوصال، وظهر الغلوّ في فهم الحقائق إفراطاً وتفريطاً، وأولد فِرَقاً فكريّة متطرّفة يلعن بعضها البعض، ويكفّر أتباع كلّ طائفة أتباع الطائفة الأخرى، وتحوّل العدوّ إلى صديق والصديق إلى عدوّ. لذا فإنّ إحراز الوسطية والتعلّق بها فكراً وسلوكاً هو الطريق المفضي إلى الكمال الإنساني والرقيّ البشريّ. ................................... 1- المعجم الوسيط: ص1031. 2- نهج البلاغة: خطبة١٦. 3- تفسير الأمثل: ج١، ص٢٦٧. أجوبة موضوع: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم): ج1/ الكُره بضمّ الكاف: هي المشقّة التي يدركها الإنسان من نفسه، أمّا الكَره بفتح الكاف: هي المشقّة التي تُحمل على الإنسان من الخارج، كأن يُجبره إنسان آخر على فعل ما يكرهه. ج٢/ تكملة الحديث: "...لم يتمنَّ أنّه في غير الحال التي اختارها الله له". الأسئلة: س١/ اذكري آية قرآنية تدعو المؤمن إلى الوسطيّة في الإنفاق، لا مسرفاً ولا شحيحاً. س٢/ لكي نكون أمّة وسطاً بحقّ، يوجد مرتكزان أساسيّان علينا اتباعهما، فما هما؟