المُصَوِّرَاتُ الفُوتُوغرافِيّاتُ...
لَقْطَاتٌ تَرْصُدُها عَينٌ نِسْوِيَّةٌ تُجَسِّدُ المُعَانَاةَ... فَهلْ تَحَدَّتْ الصُّورَةُ لُغَةَ الحَواجِزِ؟ لعقودٍ طويلة، فسحت المرأة المجال للرجل لتوثيق حكايتها وتجاربها، إلّا أنّ تطوّرات القرن العشرين سمحتْ للنساء أن يدخلنَ إلى هذا المجال، وتتطلّع المرأة إليه كأداة لتوثيق حكايتها وتجاربها من منظور نسائيّ خالص. مجلّة رياض الزهراء(عليها السلام) التقت بهؤلاء المصوّرات. كاميرا (فرساني): تحضّر لنقل الثقافات المختلفة، وصنع قنوات للحوار المتفاهم: لطالما كانت حياة المرأة محطّ اهتمام الكثيرين، خاصّةً أنّها محاطة بكمّ هائل من العادات والتقاليد الاجتماعية التي تمّ توارثها، فاشتهر اسم الفرساني كواحدة من النساء اللاتي حاولنَ إظهار التنوّع في العادات والتقاليد؛ لذلك بدأت نجاة الفرساني مصّورة فوتوغرافيّة/ عضو في الاتّحاد الدولي الفياب (FIAP) والجمعيّة الأمريكيّة للتصوير الفوتوغرافي (PSA) لقاءها كالآتي: استطعت منذ بدايتي أن أضع لي لمسة خاصّة بي، بنيتُ عليها فلسفة الصورة عن طريق تجربتي التي تعكس وجهة نظري في تقديم رؤية ذات تشكيل جمالي يجسّد بصماتي الفنيّة. أسافر مع كامرتي لأرصد كلّ شيء على وجه الأرض من ثقافات، مواقف، عادات وتقاليد؛ لأكون حاضرة لنقل الحوارات الثقافيّة المختلفة، وأعود بحصيلة من الصور الرائعة التي تروي الكثير من حكايات تلك الأماكن التي زرتها ومعاناتها. وتابعت الفرساني حديثها: إنّ بدايتي لم تكن من مرحلة الطفولة كأغلبية المصوّرين، وإنّما بدأت في عام ٢٠١٤م مصادفةً عندما حصلتُ على كاميرا بعنوان هدية من زميلاتي في العمل، وفي تايلند اكتشفتُ موهبة التصوير عندما صوّرت بعض المناظر الطبيعيّة التي فور نشرها في مواقع التواصل الاجتماعيّ حصلت على العديد من الإعجابات، مع أنّ معرفتي بالتصوير آنذاك كانت بسيطة جدًّا؛ لكن تشجيع الأصدقاء جعلني انتبه على موهبتي، وأبدأ بصقلها عن طريق القراءة والاستفادة من الدورات في المواقع الإلكترونيّة، والتعرّف على بعض التجارب من المصوّرين العالميّين، من هنا بدأتُ رحلتي إلى عالم التصوير لتتحوّل من هواية بحتة إلى شغف واحتراف. وخلال عام واحد حاولتُ تجربة جميع مجالات التصوير، حتى وجدتُ نفسي منهمكة في تصوير حياة الناس والسفر عندما شاركتُ في أوّل رحلة خاصّة بالتصوير في عام ٢٠١٥ إلى إثيوبيا؛ للتعرّف على معاناة القبائل البدائيّة في وادي (أومو) السفليّ، بعد هذه الرحلة تخصّصت في تصوير حياة الناس والسفر، فهذا المجال في التصوير بدأ يحرّك كلّ مشاعري وأحاسيسي، ويعبّر عن حالاتي الإنسانية بجميع أحوالها، فشاركتُ في عدّة رحلات تختصّ بتصوير الحياة اليوميّة للشعوب وتوثيقها مثلما بدأتُ في تنظيم رحلات تسلّط الضوء على عادات الشعوب المختلفة وثقافاتهم وتقاليدهم. واستكملت الفرساني حديثها: "عندما يحصل المصوّر على أكثر من (170) جائزة محليّة وعالميّة، فهذا يعني أنّه لا بدّ من أن يقدّم للتصوير الفوتوغرافي أكثر، وهذا الأمر لا يتمّ إلّا عن طريق القراءة والمطالعة المستمرّة والاطّلاع على أعمال المصوّرين العالميّين، وفهم فلسفة الصُور، وسعيتُ إلى أن تكون المرأة في الصدارة بإنجازاتها لا أن تكون سلعة أو أداة بلا قيمة، فحصلتُ على مقعد تمثيليّ في إحدى أكبر المنظّمات العالميّة للتصوير الفوتوغرافي وهي «الجمعية الأمريكيّة للتصوير الفوتوغرافي(PSA)» حيث تمّ انتخابي بوصفي ممثّلة للجمعية في مملكة البحرين، لأكون بذلك أول مصوّرة عربيّة، بحرينيّة، وخليجيّة تشغل هذا المنصب". خُطوةُ كُلوديا إلى لاسابينزا: أسهمتُ في الكشف عن بلدٍ معروفٍ بروعتهِ القديمةِ أمّا المصوّرة الإيطالية كلوديا بورجا، التي تركت العمل المدرسيّ في عام 2009، وقرّرت تكريس نفسها للتصوير الفوتوغرافي، فكانت خطوتها الأولى هي إعادة قراءة أطروحة (حقّ اللجوء)، التي بحثتْ في المزج بين شغف التاريخ القديم والمعاصر، والرغبة في مشاهدته: إذن فهناك فضول لأولئك الذين يرغبون في الثراء، فكانت رغبتي في إثراء أولئك الذين ينظرون إلى صور التاريخ القديم بعدسة المعاصرة، فوجدتُ أنّ المرأة هي مَن تنقل ذلك التاريخ. خرجت كلوديا من حدود نساء روما إلى عالم المرأة المسلمة وإخلاصها، فبحثت عن أهمّ النقاط المرجعية للمرأة المسلمة، فكانت أمامها السيّدة زينب(عليها السلام)؛ لتبدأ من عام 2012 في القراءة عن الإمام الحسين(عليه السلام) وأسرته. وعن طبيعة الموضوعات التي تجسّدها نظرة كلوديا إلى ضريح الإمام الحسين(عليه السلام) قالت: "شكراً للإمام الحسين(عليه السلام) الذي منحني فرصة توثيق المسير الذي سارت عليه السيّدة زينب(عليها السلام)، ولحظات الفرح أثناء الخدمة والشوق في اللقاء، مسيرة الحجّاج المليونيّة هي إحدى مفاتيح التعرّف على المرأة المسلمة المخلصة في تعاقب جميع عصورها، والمعاناة التي تعيشها المرأة المسلمة التي تبحث عن إيقاظ الضمير في كلّ لحظة من اللحظات، والدفاع عن القضيّة، وفي جميع الصور التي التقطتُها كانت المرأة هي المحور، وجدتُها وسيلة ناجعة في نقل الحقيقة والدفاع عن القضايا التي تخصّ عقيدتها، فطريق الإمام الحسين(عليه السلام) سار فيه المتدينون، وهو سفر بحدّ ذاته، بينما الطريق الآخر يسير فيه غير المتدينين وهو أيضاً سفر، إلّا أنّه سفر يسير الإنسان فيه في مسارات متوازية، ففي الصورة نستطيع أن نوصل رسالة تفهيميّة إلى تلك المسارات المتوازية، وبحثتُ في المرأة المسلمة عن الحجاب وعلاقته الوثيقة بالدين والقرآن والنبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)". وختمت اللقاء (بورجا) قائلةً: "أفضّل تجسيد الموضوعات النسويّة، وأعمل حالياً على مشروع (اكتشاف بلد معروف بروعته القديمة) الذي بدأته منذ عام 2016، وخلال هذه المدة قمتُ بتنفيذ المشروع من إيران من أجل إلقاء الضوء على الصعوبات التي تواجه المرأة في تحقيق أحلامها وإكمال دراستها، وقد حصلتُ على المركز الثالث في المسابقة المخصّصة للصحفيين، وعلى المركز الثاني في Rolando Fava المصوّر IPA و MIFA. عَدَسَةُ هِبَة... صُنِعَتْ في البيتِ خرج مشروع المصوّرة الفوتوغرافية العراقية (هبة الكناني) من الجلسات المنزلية التي شاركت بها أفراد عائلتها، وفي كلّ مرة تكشف عمّا يدور في فكرها، وكيف أنّها تقتنص الفرصة لتركّز على المرأة والقضايا التي يمكن أن تُراعى فيها من قِبل أفراد المجتمع بنظرة مختلفة. إذ تبيّن الكناني قائلةً: إنّ الإرهاصات التي تمرّ بها المرأة في هذه المدّة، تتمحور حول حالة الصمت التي تعتري المرأة بعد أيّة محنة، وفي نظري هي استراحة المحارب؛ لتستأنف الحياة من جديد فتربّي، وتعمل، وتجمع المقتنيات، وهي جميعها مفردات أعتبرها عنواناً لقصة الخوف، لكن الخوف الذي تظهر ملامحه على تقاسيم حركاتها في الصورة. تخرّجت الكناني من كلية القانون، وبدأت عن التصوير حديثها: تكوّنت ذائقتي الفنيّة والبصريّة منذ الصغر، إلى أن بدأتُ أنظر إلى العالم المحيط بنا فبدأتُ بتصوير إيقاع الحياة لديّ ولدى غيري من الناس، ومن هذه الخطوة قررتُ أن يكون التصوير الفوتوغرافي مهنتي، وعملتُ منذ أكثر من سبعة أعوام في تغطية المهرجانات، والندوات، والمؤتمرات، والمسابقات النسويّة، فالرقعة الجغرافية غنية بالنسبة للمرأة المصورة؛ لكن هناك بعض الصعوبات التي تواجه المصوّرة، ومن أهمّها المحافظة على الهويّة الثقافيّة للبيئة التي تعيش فيها، ومع هذا التحدّي استطاعت المرأة أن توثّق اللحظات المهمّة؛ لأنّ التصوير فنّ من الفنون التي لها تأثير في كلّ أبعاد حياة المرأة تاريخياً ووثائقياً، والأمر الآخر هو: العمل بموضوعيّة ومن دون تعصّب، وتضيف الكناني: أنّ الصورة لغة عالميّة تتخطّى حواجز المكان والزمان واللغة. وختمت هبة الكناني بقولها: تكلّلت مسيرتي بالنجاح والحصول على المرتبة الثانية في المسابقة التي تقيمها العتبة الحسينيّة المقدّسة، ولا أزال أهتمّ بالحياة العامّة التي تمنحني قدرة أكثر على البحث عن رمزية المرأة المحافظة والدفاع عن قضاياها، إنّ مهنة التصوير تحتاج إلى التعرف أكثر على التصوير وآليات الاستفادة من الموقف في محتوىً يسلّط الضوء على القضايا الإنسانية التي تخصّ المرأة، فأولاً كنتُ طالبة وبعدها أصبحتُ مدرّبة للتصوير. إسراء مقداد السلامي/ مصوّرة فوتوغرافية في العتبة العبّاسية المقدّسة: التصوير هو عالم متكامل من الجمال، انجذبت إليه ودخلتُ إلى عوالمه، فهو عالم رائع يوثق الأحداث والأمكنة ويبرز جمالها.. نظراً لحاجة المكتبة النسويّة إلى مصوّرة محترفة لتغطية النشاطات النسويّة في العتبة العباسيّة، استطعت أن أنخرط في دورات تدريبيّة وتأهيليّة لأكون أول مصورة فوتوغرافية محترفة في العتبة العباسيّة المقدّسة، وقد شاركتُ في مهرجانات عدّة ومسابقات فوتوغرافية وحقّقتُ مراكز متقدّمة. التصوير يعني لي الكثير، فهو مهنة غير تقليديّة ولا تعتمد على الروتين إنّما تعتمد على الإبداع والحركة والزوايا، وهذا يُعطي العمل شيئاً من المرونة والتغيير وعدم التقيّد بنسق واحد.. فضلاً عن أنّ هذه المهنة تكون على تماس مباشر مع شرائح عديدة من المجتمع وأطياف متنوّعة كون عملنا يفرض علينا هذا التنوّع الذي يضيف لنا الشيء الكثير، فضلاً عن اكتساب الخبرة المطلوبة، وهذا ما لمسناه في تغطية الزيارات المليونيّة والفعّاليات والأنشطة المختلفة التي تفرض علينا أن نكون على دراية تامّة بمواقع وزوايا مناسبة لأخذ اللقطة المناسبة مع المحافظة على السياسة العامة للعتبة في عدم إظهار وجوه النساء بشكل بارز حفاظاً على الخصوصيّة للعوائل. في أثناء عملي أكون حريصة على إبراز الجوانب غير الظاهرة في المكان لتسليط الضوء عليها وإعطائها بُعداً إبداعياً يظهر مكامن الجمال، وفي بعض الأحيان أدخل في تحدٍ مع نفسي لأحقّق لقطة لا يمكن أن نتوقع جماليتها.. وهذا ما يميّز المصوّر عن غيره، ديدنه التنقيب عن مكامن الجمال وملامحه وإبرازها في لقطات تجعل المشاهد ينبهر ويعيش الدهشة. مع ظهور التكنولوجيا الرقميّة في القرن الحادي والعشرين، تعمّقت علاقة النساء بهذه الأداة فقُدنَ العدسة في اتجاهات جديدة لسرد القصص بشكل حرّ ومؤثّر. فبعد سنوات من التمثيل الصامت أمام الكاميرا، أصبحت المرأة اليوم العنصر المتحكّم بالقصة والزاوية والصورة، إذ استخدمت مناهج وأساليب مختلفة في أعمالها.