رياض الزهراء العدد 159 لحياة أفضل
التَّربِيَةُ بِالقُدوَةِ وَأَثرُها في تَربِيَةِ الأَبناءِ
ربّما لا توجد طريقة مُثلى في التربية تعلو على الطريقة التي يشعر فيها المتربّي بالصدق والطمأنينة والحرية، وهي من آثار التربية بالقدوة، وهي من صفات الأنبياء في تربية المجتمع بالدرجة الأولى، فإذا شاهدكَ أبنكَ تطبّق مبدأً صحيحاً، أو عملاً أخلاقيّاً أو عباديّاً صحيحاً أمامه، بطريقة محببّة فقد ينجذب إلى اتّباعها وتقليدها من دون بذل جهد منكَ، أو إلحاح عليه في تطبيقها، وقد يطلب منكَ التوغّل فيها، ومساعدته في معرفة الهدف من هذا العمل أكثر؛ ليتسنّى لكَ أخذ دوركَ في تربيته، وغرس المبادئ والأخلاق الحميدة فيه، فقد قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): "رَحِم الله مَن أعان ولده على برّه...، يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يُرهقه ولا يخرق به..."(1). ولقد اتّبع النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته هذه الطريقة في ترسيخ المبادئ والأخلاق، وتربية المجتمع، فكانوا(عليهم السلام) القدوة والأسوة الحسنة في تعزيز مبادئ الإسلام الحقّة، فالمناهج والنظريات التربويّة بحاجةٍ إلى من يُطبّقها، ويعمل بها، وتظلُّ تلك المناهج في حيّز النظرية فقط ولا تحقّق جدواها ما لم تتحوّل إلى سلوكٍ عمليّ للمربّين أنفسهم، ولذا كان المنهج النبويّ في إصلاحِ البشريَّة وهدايتها يعتمد على وجود القدوة التي تحوِّل تعاليم الإسلام ومبادئه إلى سلوك عمليٍّ، وحقيقة مشهودة أمام الناس جميعاً، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أمر بشيء عمل به أولاً، وإذا نهى عن شيء كان أول المنتهين عنه، فكان(صلى الله عليه وآله وسلم) هو القدوة والأسوة العمليّة التي تترجم الإسلام إلى حقيقة وواقع، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)/ (الأحزاب، الآية:21). ومن أجل أن تُؤتي العلميّة التربويّة بالقدوة أُكلها لابدّ من توافر أركانها الثلاث وهي: (المنهج، المربّي، المتربّي)، وينبغي أن تعتمد على حجر الزاوية وهو المربّي ومدى أهليته، فهو الوسيلة المهمّة بين منهج تربويّ متكامل وبين متربٍ محتاج. فالمربّي إن لم يكن مؤهّلاً للتربية بالقدوة، فأنّ أيّاً من محاولاته في التربية الصحيحة ستفشل؛ لأنّ الطفل يقلّد ما يراه من آبائه، ويتأثّر بالأفعال أكثر من الأقوال، فالتنظير لا يُجدي نفعاً ما لم يصحبه تطبيق واضح. واذا أردنا أن نحصل على تربية ناجحة يجب أن ننطلق من الجذور وهي الأسرة؛ فإذا كان الوالدانِ قدوة صالحة لأولادهم، فتطبيقهم التربية المثلى، واستخدام طريقة القدوة سيمنحهما أبناءً يتمتّعون بشخصيّة قويّة واثقة؛ لأنّها تربّت على مبدأ القدوة الحسنة من دون إكراه ومماطلة، فضلاً عن ذلك توفير البيئة الحاضنة لتلك البذرة والالمام بكلّ ما يؤثّر على تربية الطفل من عوامل خارجيّة من شأنها الإضرار بالعمليّة التربويّة، فكثير من الأُسر المؤمنة التي ربّت أولادها بطريقة صحيحة في البداية، انحرفت مسارات أبنائهم فيما بعد؛ بسبب عدم الإحاطة الكاملة بمعرفة البيئة والأصدقاء والعوامل الأخرى، وكذلك ينبغي مراعاة الاعتدال في استخدام مبدأيْ الثواب والعقاب في التربية، من دون الإفراط في أحدهما على حساب الآخر. ................................... (1) الكافي للكليني: ج6، ص71.