عُنفُ الفُروعِ ضِدَّ الأُصُولِ

هناء هاشم/ باحثة اجتماعيّة/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 243

إنّ عنف الأبناء ضدّ الآباء أصبح ظاهرةً خطيرة في المجتمع، وهذا يعود إلى عدّة أسباب، منها نوعية التنشئة الاجتماعيّة، وتدنّي الحالات الاقتصادية، والبطالة، ونقص الوازع الدينيّ، وأثره على الحياة اليوميّة للأفراد، وكذلك تغيير النظام العائلي من الأسرة الممتدّة إلى الأسرة النووية إضافةً إلى التفكّك الذي أصابها ممّا أخلّ بوظيفتها الأساسيّة بوصفها محامٍ لأعضائها من الانحراف ومن إتيان السلوكيات الأكثر استهجاناً وابتعاداً عن القِيم. إنّ التغيّرات الاجتماعية هي عملية اضطرارية ومستمرّة نتيجةً لتغيّر القِيم والمعايير، ممّا أدّى إلى التغيير في سلوك الأبناء تجاه آبائهم، والتي قد تصل أحياناً إلى ممارسة العنف ضدّهم، ومن مظاهر تغيّر القِيم تغيّر مكانة الأفراد المسنّين من حيث الاحترام و التقدير، إلى قِيم مادية؛ لأنّ التغيّر حدث في أنماط العلاقات الاجتماعية أو في البناء الطبقي، أو في الجماعات والنُظم والقيم والمعايير التي توثّر في سلوك الأفراد التي تحدّد مكانتهم وأدوارهم، وإنّ التغييرات التي حدثت في أساليب التنشئة الاجتماعية للفرد ومنه عدم الانسياق في التربية أدّى إلى نشوء مشاعر الإحباط لدى الأبناء حيث لم يعودوا يستطيعون التمييز بين ما هو مقبول وغير مقبول من أشكال السلوك؛ ممّا أدّى إلى ظهور السلوك العدوانيّ تجاه الآباء، وكذلك أسلوب التمييز بين الأبناء في المعاملة يؤدّي إلى إثارة مشاعر الغيرة والحقد بين الإخوة، هذه الأسباب تؤدّي إلى ضعف العلاقة العاطفيّة بين الجيلين أو انعدامها. وإنّ اختلاف بنيان الأسرة في المجتمع الحديث أدّى إلى عدم قيام الأسرة بواجباتها تجاه المسنّين من منحهم الرعاية، والحياة المناسبة لهم؛ لأنّ الأسرة الحديثة غلب عليها الطابع الفرديّ، وجعلت المصلحة الذاتية فوق كلّ شيء ممّا أدّى إلى ضعف العلاقات فيها، فتمّ عزل المسنّ من طرف أولاده بالابتعاد عنه وحرمانه من عطفهم إمّا باتّخاذ مسكن مستقلّ، أو بالانعزال عنه داخل المسكن الكبير، وإنّ بعض الأبناء يفضّلون الاستغناء عن آبائهم المسنّين لأنّهم يعدّونهم عالةً عليهم، والسبب في تردّي أحوالهم بسبب ما يعانونه من اضطرابات، وعجزهم وتمرّدهم فيستغنون عنهم عبر رميهم في دور العجزة. في الوقت الحاضر أصبحت رعاية الفرد المسنّ والاهتمام به من قِبل أولاده أمر يُطلب له مقابل مادي في بعض الأسر، وينظرون إليه على أنّه الإنسان الذي اقترب أجله، وبذلك فالمسنّ فَقدَ مكانته التي كان يحتلّها في الماضي نظراً إلى رفض الأبناء الشديد لسلطته، بحكم انتهاء زمنه، وحلول زمن آخر يقتضي الحداثة والانتقاء الفردي، وبهذا انهارت ثقة المسنّ بنفسه، الأمر الذي جعله يشعر بأنّه عالة على أبنائه، فلم يعد له رأي، أو أيّ دور فعّال يقوم به ليسترجع مكانته وقيمته الأولى، وأمام مواطن الضعف هذه يقوم المسنّ بمحاولات الاندفاع بغية تحقيق قدر مناسب من التكيّف، وغالباً ما يظهر على المسنّ الانسحاب التدريجيّ، وهو نوع من العزلة الإجبارية، والهروب من الواقع، ونرى بعض المسنّين مَن يترك منزله ويذهب إلى دور العجزة باختياره. ساعدت التغيّرات السريعة في المجتمع على انقلاب الأدوار والمكانات والعلاقات داخل الأسرة وتغيّر في القيم والسلوك فنتج عنها الصراع بين قِيم جيل الآباء وجيل الأبناء الذين يعيشون حياة مغايرة للحياة السابقة التي ظهرت نتيجة الحداثة والتكنولوجيا. من كلّ هذا ضعفت مكانة المسنّ داخل أسرته ولم يعد له أيّ اعتبار كمَثَل يقتدي به أبناؤه وأحفاده، ولم يعد يُحترم، وبعض الأحيان يتعرّض للعنف اللفظي والإهمال والتهميش من قِبل أقرب الناس إليه.