رياض الزهراء العدد 159 الحشد المقدس
رَجُلُ الثَّلجِ
يهطل الثلج كندفات قطنٍ على أرضٍ لم تعتد بياضه وبرودته، فقد ألِفت لون سمرتها وحرارة نبضها، فهبّ أهلها فرحين مستبشرين بهذا الزائر الأبيض الذي غلب لونه على كلّ الألوان، وأرادوا صنع رجل الثلج على شاكلة مَن سبقهم من الشعوب التي اعتادت صنع هذه الشخصيّة الخياليّة. لكن هل تتقبّل هذه الأرض ما يتقبّله غيرها من بقاع العالم؟! هل سيقبل رجالها الحقيقيون أن يكون رجل الثلج شخصيّة خياليّة! بلا قلب و لا روح؟!! كلّا، فالأرض السمراء لا تحبّ الرجال المزيفين، ولا تماثيل رجال الثلج التي تتلاشى مع أول لسعة للشمس، فلا يبقى منهم سوى جزرة كانت أنفاً في اليوم الماضي. وعلى الحدود كان هناك رجل يحرس بعينيه هذه الأرض السمراء، داهَمَه الثلج فلم ينهزم؛ لأنّه يعلم أنّ الثلج سيذوب، ولن تبقى سوى الحقيقة الساطعة، ضرب البرد شفتيه فواجهه بالتسبيح، داهم البرد أضلاعه فأوقد ذكرياته بحطب سنينه، وقدّم للنار وجوه أعدائه وغدرهم، اشتدّ البرد فقدّم الرجل الحقيقيّ صور أحبّته للنار، فليس ذلك غريباً عليه فقد اعتاد نار فراقهم، قدّم كلّ ما في قلبه من حزن دفين، لكن البرد كان أقسى وأعتى، ففي موقعه على الساتر الحدوديّ لا جدار ولا سقف يُعينه، إنّه وحيد في وجه العراء المنجمد، ومن خلفه وطن أسمر اعتاد أن يتدفّأ بابتسامة أبنائه ودمهم الحار، اخترق البرد أضلاع الرجل الحقيقيّ، فأمسك بقلبه الفوّار بالحميّة، وضغط عليه بأصابعه حتى سكن نبضه، وبقيت عيناه مفتوحتين تحرسان حدود الوطن الأسمر. العراق.. بينما يحتفل العالم برجل ثلج وهميّ قدّم رجل ثلج حقيقيّ له روح وقلب وأحبّة، العراق.. وطن مميّز برجال مميّزين، لا يذوبون عند أول لسعة للشمس، فقد اعتادوا وهجها الذي لوّح وجوههم في ميادين النصر والصبر، لا يهزمهم الجليد أو الخوف، فهم رجال جُبِلوا من طينة الأولياء والصالحين، وخُلِقوا ليرى العالم آيات جديدة في البذل والبطولة.. فهُم رجال الله(عز وجل) وحشده المقدّس.